فَيُغْشَى عليهم، فإذا ذهب الفزع عن قلوبهم تنادوا ﴿قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ﴾ قال: فيقول: من شاء قال: الحق وهو العلي الكبير).
فهذا مقام رفيع في الرهبة والعظمة، وهو أنه سبحانه إذا تكلم بالوحي فسمع أهل السماوات كلامه أرعدوا من الهيبة حتى يلحقهم مثل الغشي.
قال ابن عباس: (﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾: أي جُلي عن قلوبهم وزال الفزع عنها، سأل بعضهم بعضًا: ماذا قال ربكم؟ فيخبر بذلك حملة العرش للذين يلونهم ثم الذين يلونهم لمن تحتهم، حتى ينتهي الخبر إلى أهل السماء الدنيا).
وقد ورد تفسير هذه الآية في روائع من كنوز السنة الصحيحة:
الحديث الأول: أخرج الإمام البخاري في صحيحه عند تفسير هذه الآية، عن أبي هريرة رضي الله عنه يقول: [إن نبي الله - ﷺ - قال: إذا قضى الله تعالى الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا لقوله، كأنه سلسلة على صفوان (١)، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال الحق وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترق السمع، ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض - ووصف سفيان بيده فحرفها ونشر بين أصابعه - فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مئة كذبة، فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا، كذا وكذا، فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء] (٢).
الحديث الثاني: أخرج أبو داود وابن خزيمة بسند صحيح عن مسروق عن عبد الله قال: قال رسول الله - ﷺ -: [إذا تكلم الله تعالى بالوحي سمعَ أهل السماء للسماء صَلْصَلَةً كَجَرِّ السِلْسِلَةِ على الصَّفا، فَيُصْعَقون، فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل، حتى إذا جاءهم جبريل فُزّعَ عن قلوبهم، قال: فيقولونَ: يا جبريلُ! ماذا قال ربك، فيقول: الحق، فيقولون: الحق الحق] (٣). وفي رواية عند الترمذي: [قالوا: الحق وهو العلي الكبير، قال: والشياطين بعضهم فوق بَعْض].

(١) الصفوان: الصخر الأملس.
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٤٧٠١)، وأبو داود (٣٩٨٩)، والترمذي (٣٢٢٣)، وغيرهم.
(٣) حديث صحيح. أخرجه أبو داود (٢/ ٥٣٦ - ٥٣٧)، وابن خزيمة في "التوحيد" ص (٩٥ - ٩٦)، والبيهقي في "الأسماء والصفات" ص (٢٠٠)، وانظر السلسلة الصحيحة (١٢٩٣).


الصفحة التالية
Icon