الحديث الثالث: أخرج البخاري عن هشام بن عروة قال: [قال الحارث بن هشام لرسول الله - ﷺ -: كيف يأتيك الوحي؟ قال: يأتيني في صلصلة كصلصلة الجرس فيفصم عني حين يفصم وقد وعيتُه، ويأتي أحيانًا في مثل صورة الرجل فيكلمني به كلامًا وهو أهون عليَّ]. وفي لفظ: [أحيانًا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشدُّه علي فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانًا يتمثل لي الملك رجُلًا فيكلمني فأعي ما يقول. قالت عائشة رضي الله عنها: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصَّدُ عرقًا] (١).
الحديث الرابع: أخرج الإمام مسلم في الصحيح، والترمذي في الجامع، عن ابن عباس قال: [بينما رسول الله - ﷺ - جالس في نفر من أصحابه، إذ رُمي بنجم فاستنار، فقال رسول الله - ﷺ -: "ما كنتم تقولون لمِثْل هذا في الجاهلية إذا رأيتموه؟ ". قالوا: كُنَّا نقولُ: يموت عظيم، أو يولد عظيم، فقال رسول الله - ﷺ -: "فإنه لا يُرْمَى به لِمَوْتِ أحَدٍ ولا لحياتِه، ولكِنَّ رَبُّنا تبارك اسْمُهُ وتعالى، إذا قَضى أَمْرًا سَبَّحَ حَمَلةُ العرش، ثم سَبَّحَ أهلُ السماء، الذين يلونَهم، ثم الذين يلونَهُم حتى يَبْلُغَ التسبيحُ إلى هذه السماء، ثم سألَ أهلُ السماء السادسةِ، أهلَ السماء السابعة: ماذا قال ربكم؟ قال: فيخبرونَهُمْ ثم يستخبرُ أهلُ كلِّ سَمَاء، حتى يَبْلُغَ الخبَرُ أهلَ السماء الدنيا، وتَخْتطفَ الشياطين السَّمْعَ فَيُرْمَوْنَ فيقذِفُونَه إلى أوليائهم، فما جاؤوا به على وجهه فهو حَقٌّ، ولكنَّهم يُحَرِّفونَهُ ويزيدون] " (٢).
وهنا يرد سؤال هام: لماذا كل هذه الرهبة وكل هذا العناء مع نزول الوحي من أمر الله؟
الجواب: إنه ثقل الأمانة التي ألقاها الله سبحانه على نبيّه وعلى أمته من بعده، ليعلم أهل الحق قيمة الحق الذي شرّفهم الله به فيأخذوه بقوة وحزم لا هزل في حمله ولا تقاعس، كما قال جل ثناؤه لنبيه - ﷺ -: ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا﴾ [المزمل: ٥]، وكما قال سبحانه: ﴿يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾ [مريم: ١٢]، وكما قال لبني إسرائيل: ﴿خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: ٦٣].
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم في الصحيح (٧/ ٣٦ - ٣٧). وانظر صحيح سنن الترمذي (٢٥٧٦).