والخلاصة في المعنى كما ذكر ابن جرير: (فإذا أذن الله لمن أذن له أن يشفع فزع لسماعه إذنه). والعرب تستعمل فُزِّع في معنيين: فتقول للشجاع الذي به تنزل الأمور التي يُفْزع منها: هو مُفَزَّع. وتقول للجبان الذي يفزع من كل شيء: إنه لَمُفَزَّع. وقد قرأها عامة القراءأ فُزِّعَ" وقرأها مجاهد: "فُزِعَ" وقرأها الحسن: "فُرغَ" والأول أصحّ وعليه إجماع القراء.
وقوله: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾.
قال قتادة: (قد قال ذلك أصحاب محمد للمشركين: والله ما أنا وأنتم على أمر واحد، إن أحد الفريقين لمهتد).
فلما ذكر أن آلهتهم لا يملكون مثقال ذرة مما يملكه الرب سبحانه، سألهم سؤالا يثبت لهم به عجز منطقهم فقال: من يخلق لكم هذه الأرزاق الكائنة من السماوات - أي: عن المطر والشمس والنجوم والقمر - وما فيها من المنافع المختلفة، وتلك الخارجة من الأرض عن الماء والنبات والتراب والشجر، فلن يجيبوا بأن هذا من فعل آلهتهم، إذن فليصرفوا العبادة كلها إلى من تفرد بالخلق والرزق والربوبية، فليفردوا له الألوهية سبحانه. وقد خاطبهم بذلك في أجمل خطاب، وفي بالغ الأدب: فما دام واحد من الفريقين مبطلًا والآخر محق، ونحن قد أقمنا البرهان على تفرده سبحانه باستحقاق الألوهية والتوحيد، فدل على بطلان منطق الشرك وفساد منهجه.
قال ابن جرير: (ذلك أمر من الله لنبيه بتكذيب من أمره بخطابه بهذا القول بأجمل التكذيب، كما يقول الرجل لصاحب له يخاطبه وهو يريد تكذيبه في خبر له: أحدنا كاذب، وقائل ذلك يعني صاحبه لا نفسه، فلهذا المعنى صيَّر الكلام بأو).
وقال بعض نحويي البصرة: (ليس ذلك لأنه شك ولكن هذا في كلام العرب على أنه هو المهتدي).
وقال آخرون: (معنى ذلك: إنا لعلى هدى، وإنكم إياكم في ضلال مبين).
فالعرب تضع "أو" أحيانًا في موضع واو الموالاة كقول القائل:
فلما اشتد أمر الحرب فينا | تأملنا رياحًا أو رِزامًا |