القرآن، ومشهد الخزي والهوان في حوار المستكبرين والمستضعفين وقد أسروا الندامة لما رأوا العذاب، وجمع الله بهم في النار وتقطعت بهم الأسباب.
فقوله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾.
قد تكرر مثل هذا السؤال من المشركين من مختلف الأمم والأقوام لرسلهم: ﴿مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾؟ فأجابهم هنا: ﴿لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ﴾ كما أجابهم الله في سورة نوح: ﴿إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [نوح: ٤]. وكما أجابهم في سورة هود: ﴿وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (١٠٤) يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ﴾ [هود: ١٠٤، ١٠٥]. وفي سورة يونس: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٤٨) قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (٤٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (٥٠) أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ﴾ [يونس: ٤٨ - ٥١].
ويستعجلك يا محمد هؤلاء المشركون بالبعث والقيامة، فأخبرهم أن ذلك اليوم ميعاد قادم إذا أتى لا تمهلون ساعة للتوبة والإنابة، ولا تستقدمون قبله العذاب فتعجلوه بمشيئتكم واستهزائكم، فالته سبحانه قد جعل له أجلًا، ولكن إذا جاء فتيقنوا أنكم بشرككم وكفركم هذا ستصبحون نادمين، فلا أحد يستطيع أن يواجه عذاب الله وبطشه، بل الكل مقهور ذليل أمام أمره وهيبته.
ولكنهم بدلًا من الانتباه من الغفلة صرحوا بأنهم يكفرون بالقرآن، وبمحمد عليه الصلاة والسلام، ولا يؤمنون بالكتاب الذي جاء به غيره من بين يديه ظلمًا وعُجُبًا وعلوًا في الأرض. فلو ترى يا محمد ذلك الكبر والعجب يوم يصبح بين يدي الله صَغارًا وهوانًا، إذ يتحاور الظالمون يقول المستضعفون لزعمائهم ورؤسائهم: لولا أنتم أيها الرؤساء والكبراء في الدنيا لكنا مؤمنين بالئه متبعين لأمره. فأجابوهم - بذل وهوان وفي محاولة منهم للتخلص من أي تبعة -: بل منعكم إيثاركم الكفر والشهوات من اتباع الحق. فأجابوهم: بل هو مكركم لنا بالليل والنهار وصدَّنا عن الهدى وأن نمتثل أمركم لتعظيمكم على حساب تعظيم الحق حتى وقعنا في الشرك والكفر بالله. ثم أسرَّ الجميع الندامة لما عاينوا الأغلال وأبصروا جهنم ومهاولها جزاء على ما قدموا واكتسبوا.
فعن قتادة: (﴿لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ﴾ الذي جاءنا به محمد - ﷺ -، ولا بالكتاب الذي جاء به غيره من بين يديه).