يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خَلَفًا، ويقول الآخَرُ: اللهم أعط ممسكًا تلفًا" (١).
وأخرج الطبراني بسند صحيح عن خباب، عن النبي - ﷺ - قال: [كل نَفَقَةٍ يُنْفقها العبد يُؤجَرُ فيها إلا البنيان] (٢).
ويبدو أن المقصود الإسراف في أمر البناء وكثرة الاهتمام بالعمران أكثر من حاجة العبد. قال القرطبي: (وأما البنيان فما كان منه ضروريًا يكن الإنسان ويحفظه فذلك مخلوف عليه ومأجور ببنيانه).
وقد ذكر أن ابنًا لمحمد بن سيرين بنى دارًا وأنفق فيها مالًا كثيرًا، فذكر ذلك لمحمد بن سيرين فقال: (ما أرى بأسًا أن يبني الرجل بناء ينفعه).
قلت: لقد جاء في الحديث الصحيح - الذي رواه البيهقي عن أبي هريرة - عن النبي - ﷺ - قال: [إن الله تعالى إذا أنعم على عبد نعمة يحب أن يرى أثر النعمة عليه، ويكره البؤس والتباؤس، ويبغض السائِل المُلْحِفَ، ويحب الحييَّ العفيف المتعفف] (٣). وله شاهد عنده من حديث عمران بن حصين بلفظ: [إن الله إذا أنعم على عبد نعمة يحب أن يرى أثر نعمتِه على عبده]. وإن من آثار النعمة البناء الحسن والثياب الحسنة ما دام قد اجتنب الإسراف والخيلاء.
٤٠ - ٤٥. قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (٤٠) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (٤١) فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (٤٢) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ

(١) حديث صحيح. أخرجه الإمام مسلم في صحيحه - حديث رقم - (١٠١٠).
(٢) حديث صحيح. انظر تخريج المشكاة (٥١٨٢)، وصحيح الجامع الصغير (٤٤٤٢).
(٣) حديث صحيح. أخرجه البيهقي في "الشعب" (٢/ ٢٣١/ ١). وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (١٣٢٠)، وللشاهد: انظر صحيح الجامع الصغير - حديث رقم - (١٧٠٨).


الصفحة التالية
Icon