كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (٤٣) وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (٤٤) وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (٤٥)}.
في هذه الآياتِ: تبرئة الله الملائكة كما برأ عيسى بن مريم يوم نسبوا له ولأمه الإلهية، وأكَّد أن هؤلاء قد وقعوا في عبادة الجن، وفيه ردٌّ على من يلبسه الجن ويتعامل معه ويزعم الإنسي أن من يأتيه هو ملك يعلمه من الغيب، فهدّدهم جميعًا في أرض المحشر، فاليوم لا يملك بعضكم أيها الملائكة للذين كانوا يعبدونكم في الدنيا أو يعبدون الجن نفعًا ينفعون به أنفسهم ويخلصوها من عذاب جهنم، ذوقوا ما كسبتم: فإنهم كانوا إذا سمعوا القرآن اتهموه بالإفك والكذب أو السحر ليخلصوا من تبعة أوامره ونواهيه، فتعاملوا مع الحق باستهزاء وما عندهم كتب منزلة تثبت ما يدعونه أنه سحر، ولا بُعث إليهم نبي قبل محمد - ﷺ -، وما بلغوا عشر ما أعطينا من قبلهم الذين دمرناهم بكفرهم، فانظر يا محمد كيف كان تغييري بهم وعقوبتي.
فقوله: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ﴾.
قرأها نافع: ﴿ويوم نحشرهم جميعًا ثم نقول﴾ بالنون.
وعن قتادة: (﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ﴾؟ استفهام كقوله لعيسى: ﴿أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [المائدة: ١١٦]). وهذا فقه من قتادة بهذا الربط بين الآيتين، فبرأ الله عيسى والملائكة.
وقوله: ﴿أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ﴾. أي: أكثرهم بالجن مصدقون يزعمون أنهم بنات الله، تعالى الله عما يشركون وعما يفترون.
وقوله: ﴿فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا﴾. قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: فاليوم لا يملك بعضكم أيها الملائكة للذين كانوا في الدنيا يعبدونكم نفعًا ينفعونكم به ولا ضرًّا ينالونكم به أو تنالونهم به).
وقوله: ﴿وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾. أي فها أنتم قد وردتموها ببغيكم وشرككم وصرفكم العبادة والتعظيم لغير الله العلي العظيم، فذوقوا حرها ولهيبها مقابل ما ارتضيتم لأنفسكم منهجًا يسخط الله تعالى.


الصفحة التالية
Icon