قال القاسمي رحمه الله: (فإنه ما دام موجودًا إما أن يبدئ فعلًا أو يعيده، فإذا هلك لم يبق له إبداء ولا إعادة).
وقيل: ﴿مَا﴾ استفهامية، أي جاء الحق فأي شيء بقي للباطل؟ كقوله تعالى: ﴿فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (٨)﴾ [الحاقة: ٨]، أي لا ترى، والله أعلم.
وفي الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه: [أنه لما دخل رسول الله - ﷺ - المسجد الحرام يوم الفتح ووجد تلك الأصنام منصوبة حول الكعبة، جعل يطعن الصنم منها بسية قوسه ويقرأ: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (٨١)﴾ [الإسراء: ٨١]. ﴿قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ﴾] (١).
وقوله: ﴿قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي﴾. قال القرطبي: (وذلك أن الكفار قالوا تركت دين آبائك فضللت. فقال له: قل يا محمد إن ضللت كما تزعمون فإنما أضل على نفسي، ﴿وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي﴾ من الحكمة والبيان، أي سميع ممن دعاه قريب الإجابة).
وقيل وجه النظم: قل إنَّ ربي يقذف بالحق ويُبَيِّنُ الحجة، وضلال من ضل لا يبطل الحجة، ولو ضللت لأضررت بنفسي، لا أنه يبطل حجة الله وإذا اهتديت فذلك فضل الله إذ ثبتني على الحجة إنه سميع قريب.
قلت: وهذا تأويل لطيف فيه صلة قوية بما قبله من الآياتِ.
وقوله: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا﴾ - فيه أكثر من تأويل:
١ - قال ابن عباس: (هذا من عذاب الدنيا).
٢ - وقال ابن زيد: (هؤلاء قتلى المشركين من أهل بدر، نزلت فيهم هذه الآية. قال: وهم الذين بدّلوا نعمة الله كفرًا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم، أهل بدر من المشركين).
٣ - وقال سعيد بن جبير: (هم الجيش الذي يخسف بهم بالبيداء يبقى منهم رجل يخبر الناس بما لقي أصحابه، فيفزعون، فهذا هو فزعهم).
٤ - وقال الحسن: (فزعوا يوم القيامة حين خرجوا من قبورهم).