والفَطْرُ لغة: الابتداء والاختراع، والفاطر: الخالق، والفَطْرُ أيضًا: الشق عن الشيء، وتفطّر الشيء إذا تشقق، والمراد بذكر السماوات والأرض العالم كله، والمراد والله تعالى أعلم أن من قدر على الابتداء قادر على الإعادة.
وقوله: ﴿جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾. قال قتادة: (بعضهم له جناحان، وبعضهم ثلاثة، وبعضهم أربعة). وقوله: ﴿رُسُلًا﴾ مفعول به ثان لجاعل. ومن هؤلاء الرسل جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت عليهم السلام أجمعين.
وقرأ الحسن: "جاعلُ الملائكة" بالرفع. فجعلهم سبحانه رسلًا.
قال يحيى بن سلام: (إلى الأنبياء). وقال السدي: (إلى العباد برحمة أو نقمة).
وقد حكى ابن جرير اختلاف أهل العربية في علة ترك إجراء مثنى وثلاث ورباع. فقال بعض نحويي البصرة: (ترك إجراؤهن لأنهن مصروفات عن وجوههن، وذلك أن مثنى مصروف عن اثنين وثلاث عن ثلاثة ورُباع عن أربعة).
وقال آخر منهم: (لم يصرف ذلك لأنه يوهم به الثلاثة والأربعة. قال: وهذا لا يستعمل إلا في حالة العدد). وقال بعض نحوي الكوفة: (هن مصروفات عن المعارف لأن الألف واللام لا تدخلها والإضافة لا تدخلها). وهذا مثل قوله تعالى: ﴿أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى﴾.
وقوله: ﴿يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ﴾. قال السدي: (يزيد في الأجنحة وخلقهم ما يشاء).
فالمقصود أن هؤلاء الملائكة خلقهم سبحانه ذوي أجنحة متعددة متفاوتة في العدد حسب تفاوت ما لَهُم من المراتب ينزلون بها ويعرجون - أي يسرعون بها. ولذلك قال: ﴿يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ﴾ أي يزيد كيف يشاء في خلق الأجنحة وفي تركيب هؤلاء الملائكة ووظائفهم فهو على كل شيء قدير.
فمن الملائكة من اختصهم الله بالاستغفار للمؤمنين والصلاة عليهم، ومنهم من اختصهم سبحانه بحمل عرشه، ومنهم من اختصهم بالاصطفاف مع المؤمنين في صلاتهم، ومنهم من اختصهم بالحج في البيت المعمور في السماء السابعة، ومنهم مختصون بالقتال مع المؤمنين في ساحات المعارك، ومنهم ملائكة جوّالون يلتمسون من يذكر الله وحلق الذكر والعلم، ومنهم من يبيتون مع المؤمنين في فرشهم ويلامسون أجسامهم إذا ناموا متطهرين، ومنهم من اختصهم سبحانه بالسجود في طبقات السماوات المختلفة، ومنهم مرافقة مسلحة لبعض المؤمنين ممن تعاطوا أسباب هذه