المرافقة، إلى غير ذلك من الوظائف، وقد فصلتها مع أدلتها في كتابي: أصل الدين والإيمان، عند الصحابة والتابعين لهم بإحسان، في بحث الإيمان بالملائكة، فلله الحمد والمنة.
وقوله: ﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا﴾.
قال قتادة: (أي من خير فلا ممسك لها فلا يستطيع أحد حبسها). وقال الضحاك: (هو الدعاء). وقال ابن عباس: (من توبة). وقيل: من توفيق وهداية.
وقوله: ﴿فَلَا مُمْسِكَ لَهَا﴾ فأنَّث ﴿مَا﴾ لذكر الرحمة، وقوله: ﴿وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ﴾ فذكّر لفظ ﴿مَا﴾ لأن لفظه لفظ مذكر. قال أبو جعفر: (ولو أنَّث في موضع التذكير للمعنى، وذكّر في موضع التأنيث للفظ لجاز، ولكن الأفصح من الكلام التأنيث إذا ظهر بعد ما يدل على تأنيثها، والتذكير إذا لم يظهر ذلك).
والآية تشبه قوله تعالى: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ﴾.
وقوله: ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾. أي: هو العزيز فينتقم بحبس رحمته وخيراته عمن عانده وآثر معصيته وسخطه، وهو الحكيم في تدبير شؤون خلقه وفتحه لهم من رحمته أو إمساكه عنهم، كل ذلك يمضي ضمن حكمته فتبارك الله العزيز الحكيم.
وقوله: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾. الخطاب لمشركي قريش: أن اذكروا نعم الله عليكم فهل من خالق سواه يبسط ويغلق، فإنه لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع.
ففي الصحيحين والمسند من طريق ورَّاد كاتب المغيرة بن شعبة قال: [أملى علي المغيرة بن شعبة في كتاب إلى معاوية أن النبي - ﷺ - كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة حين يسلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير ثلاث مرات، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجدِّ منك الجدّ] (١).
فتفكروا أيها القوم هل من سبيل إلى الرزق من غير الله سبحانه، فهو المعطي وهو المانع، فأفردوه بالعبادة والألوهية والتعظيم، وهو قوله: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٦٤٧٣)، ومسلم (٥٩٣)، وأحمد (٤/ ٢٥٤ - ٢٥٥).


الصفحة التالية
Icon