لا ترض من رجل حلاوةَ قوله حتى يُزيّنَ ما يقول فعال
فإذا وزنت فعاله بمقاله فتوازنا فإخاء ذاك جمال
التفسير الثالث: أن يكون الكلم الطيب هو التوحيد، فهو الرافع للعمل الصالح، إذ لا يقبل العمل الصالح إلا مع الإيمان والتوحيد، فقد روي ذلك عن شَهْر بن حَوْشب وقال: (﴿الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ القرآن، ﴿وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ القرآن).
قلت: وأميل إلى التفسير الثاني حيث العمل قد حمّله الله قوة ليرفع القول لما تطابق القول والعمل ولم يظهر الشقاق بينهما، فكم أخّر المسلمين اليوم كثرة الادّعاء واضمحلال العمل، وكم حَوَّلَ الإسلامَ كثيرٌ من الناس في حياتهم إلى فلسفة وكلام وجَدَل، لا رَصيد لذلك في واقع الأمة ولا في واقع التغيرٍ والبناء، فحصل الطلاق اليوم في الأمة بين القول والعمل، فصارت أمة ادعاء وغرور وعجز وكسل، وقد عاب الله ذلك في القرآن الكريم، فقال في سورة الصف: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (٢) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (٣) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾.
قال بعضهم:
لا يكون المقال إلا بفعل كل قول بلا فعال هباء
إن قولًا بلا فعال جميل ونكاحًا بلا وليّ سواء
قلت: وقد جاءت السنة الصحيحة بآفاق هذا المعنى، فمن رضي الله عن منهاج عمله وقوله، وفقه لعمل صالح يختم له به. وفي ذلك أحاديث:
الحديث الأول: أخرج الطبراني بسند صحيح عن أبي أمامة، عن النبي - ﷺ - قال: [إذا أراد الله بعبد خيرًا طهره قبل موته، قال: وما طَهورُ العبد؟ قال: عمل صالح يلهِمُه إياه حتى يقبضه عليه] (١).
الحديث الثاني: أخرج الإمام أحمد فيِ المسند بسند صحِيح عن أبي عنبة، عن النبي - ﷺ - قال: [إذا أراد الله بعبد خيرًا عَسَلهُ، قيل: وما عَسَلهُ؟ قال: يفتح له عملًا صالحًا قبل موته ثم يقبضه عليه] (٢).
(١) حديث صحيح. أخرجه الطبراني، وابن حبان (١٨٢٢) نحوه. وانظر صحيح الجامع (٣٠٣).
(٢) حديث صحيح. أخرجه أحمد في المسند (٥/ ٢٢٤)، والطحاوي في "مشكل الآثار" (٣/ ٢٦١).
وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (١١١٤)، والمرجع السابق (٣٠٤).


الصفحة التالية
Icon