الحديث الثالث: أخرج الإمام أحمد من طريق عمرو بن الحمق، عن النبي - ﷺ - قال: [إذا أراد الله بعبد خيرًا استعمله، قيل: أو ما استعمله؟ قال: يفتح له عملًا صالحًا بين يدي موته حتى يرضى عليه من حوله] (١).
وله شاهد من حديث أنس بلفظ: [قيل: كيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعمل صالح قبل الموت ثم يقبضه عليه].
وقوله: ﴿وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾. قال قتادة: (هؤلاء أهل الشرك). وقال أبو العالية: (هم الذين مكروا بالنبي - ﷺ - لما اجتمعوا في دار الندوة). وقال الكلبي: (الذين يعملون السيئات في الدنيا). وقال مقاتل: (يعني الشرك).
قلت: ويدخل في هؤلاء الملأ المتكبرون الذين يحبون إشاعة الفساد في الأرض من الاستهزاء في الدين، وحرف الأجيال إلى تعظيم الشهوات وسلوك سبيل الفواحش.
وقوله: ﴿وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾. قال شهر بن حوشب: (هم أصحاب الرياء). أي إن عملهم يذهب ويبطل لأنه لم يكن لله. وقال قتادة: (أي يفسد). وقال ابن زيد: (بَارَ فلم ينفعهم ولم ينتفعوا به وضرّهم).
والمكر في لغة العرب ما عمل على سبيل احتيال وخديعة. وبار يبور إذا هلك وبطل، ومنه قولهم: بارت السوق إذا كسدت.
وفي التنزيل: ﴿وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا﴾ أي هلكى.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي - ﷺ - قال: [قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عَمِلَ عملًا أشرك فيه معي غَيْري تركته وشِركه] (٢).
وهو كقوله جل ذكره: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾.
وللحديث شاهد في طبقات ابن سعد بسند حسن عن أبي سعد بن أبي فَضَالة عن
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم في صحيحه (٢٩٨٥)، كتاب الزهد. باب تحريم الرياء.