التي لا تحصونها. ثم انظروا كيف ينقص الليل ويجعله في النهار وينقص النهار ويجعله في الليل، والشمس والقمر كل يجري بأمره، ولكم في كل هذا منافع كثيرة قد تدركون بعضها وما يخفى عليكم أكثر، فهو الملك سبحانه فلماذا تدعون حجرًا أو قبرًا أو صالحًا مضى لا يملك لنفسه حياة ولا نشورًا، ولماذا تنافقون لأمثالكم من البشر ولا تصرفون كل توجهاتكم إلى الله العظيم الذي خلق وقذر وهدى وقد أخبتت له الجبال والسماوات والأرض والبحار والشمس والقمر والنجوم والدواب كل قد علم صلاته وتسبيحه.
فعن قتادة: (﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ﴾ يعني آدم ﴿ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ﴾ يعني ذريته ﴿ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا﴾ فزوَّج بعضكم بعضًا).
وقوله: ﴿وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ﴾. أي: فلا يكون حمل ولا وضع إلا والله عالم به فلا يخرج شيء عن تدبيره.
أخرج الإمام أحمد في المسند، بسند صحيح، عن أنس رضي الله عنه، عن النبي - ﷺ - قال: [لو أن الماء الذي يكون منه الولدُ أُهْرقْتَهُ على صخرة، لأخرج الله تعالى منها ولدًا، وليخلقَنَّ الله نفسًا هو خالقها] (١).
بل الأمر أدق من ذلك، كما قال جل ثناؤه: ﴿وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾.
ثم قال جل ذكره: ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ﴾. قال الحافظ ابن كثير: (أي ما يعطي بعض النطف من العمر الطويل يعلمه وهو عنده في الكتاب الأول).
فزيادة العمر ونقصانه أمر قد فرغ الله من كتابته والعبدْ ممتحن في كل ذلك. قال ابن زيد: (ألا ترى الناس: الإنسان يعيش مئة سنة وآخر يموت حين يولد؟ فهذا هذا).
وروى ابن جرير عن الحسين قال: سمعت أبا معاذ يقول: (من قضيت له أن يعمر حتى يُدركه الكبر أو يعمر أنقص من ذلك، فكل بالغ أجله الذي قد قضى له، كل ذلك في كتاب).