وقال القرطبي رحمه الله: ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ﴾: سمَّاه معمّرًا بما هو صائر إليه).
ثم ذكر أثرًا عن ابن عباس: (﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ﴾ إلا كتب عمره، كم هو سنة، كم هو شهرًا، كم هو يومًا، كم هو ساعة، ثم يكتب في كتاب آخر: نقص من عمره يوم، نقص شهر، نقص سنة، حتى يستوفي أجله).
وعن قتادة: (المعمّر من بلغ ستين سنة، والمنقوص من عمره من يموت قبل ستين سنة).
قلت: ومن بلغ ستين سنة في هذه الأمة فقد أتم الله له العذر. فقد أخرج الحاكم بإسناد صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي - ﷺ - قال: [إذا بلغ الرجل من أمتي ستين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر] (١).
وله شاهد أخرجه عبد بن حميد، عن سهل بن سعد، عن النبي - ﷺ - قال: [إذا بَلَّغ الله العبدَ ستين سنة فقد أعذر إليه وأبلغ إليه في العُمُر] (٢).
ويبدو أن الضمير في قوله: ﴿وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ﴾ يدل على معمَّر آخر، فيكون المعنى: (وما يعمر من معمر فيطول عمره أو يهرم، ولا ينقص من عمر آخر عن عمر هذا الذي عمَّر طويلًا أو عن الهرم، إلا هو مكتوب قبل أن تحمل به أمه في كتاب).
وروى ابن جرير بسنده عن أبي مالك في هذه الآية: ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ﴾ قال: (ما يقضي من أيامه التي عددت له إلا في كتاب).
وقيل: إنما الزيادة في العمر بالذرية الصالحة يُرزقها العبد فيدعون له من بعده فيلحقه دعاؤهم في قبره فذلك زيادة العمر.
وفي الصحيحين عن أنس قال: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: [من سرّه أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه] (٣).
وقوله: ﴿إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾. أي: إن إحصاء أعمار خلقه عليه سهل يسير، وكتابة الأعمال والآجال قبل أن يخلق السماوات والأرض أمر هو عليه سبحانه قدير.
وانظر صحيح الجامع الصغير - حديث رقم - (٤٠٧).
(٢) حديث صحيح. رواه عبد بن حميد، عن سهل بن سعد. وله شاهد في مسند أحمد (٢/ ٣٢٠).
وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (١٠٨٩). والمرجع السابق (٤٠٨).
(٣) حديث صحيح. أخرجه البخاري في الصحيح (٢٠٦٧). وانظر مختصر صحيح مسلم (١٧٦٢).