وقوله: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ﴾. أي: فما يعتدل البحران الفرات العذب والأجاج المالح المرّ، وهو أشد المياه ملوحة. فعن قتادة: (﴿وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ﴾ قال: والأجاج: المرّ). فالعذب الفرات يشير إلى الأنهار السارحة السائغة الشراب التي ماؤها عذب زلال، والملح الأجاج يشير إلى البحار الساكنة التي تسير بها السفن الكبار.
وقوله: ﴿وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا﴾. قال قتادة: (أي منهما جميعًا. ﴿وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾. قال: هذا اللؤلؤ. ﴿وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ﴾ قال: فيه السفن مقبلة ومدبرة بريح واحدة).
فيكون المعنى: فتأكلون السمك من عذبهما الفرات وملحهما الأجاج، وتستخرجون الدر والياقوت والمرجان من الملح الأجاج، نحو قوله تعالى: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾. والسفن تمخر مَخْرًا: أي تشق الماء بصدورها. فقوله: ﴿وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ فاجتمعا في الأول وانفرد الملح بالثاني، فالحلية إنما تستخرج من الملح خاصة.
وقوله: ﴿لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾. أي: على تسخيره سبحانه لكم، تتصرفون فيه كيف شئتم، وتعبرونه باسفاركم وتجارتكم إلى البلدان البعيدة في مدة قريبة، فلعلكم تشكرونه على ما هيأ لكم فيه من فضله ونجاكم من أهواله فسلمتم وغنمتم.
وقوله: ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ﴾. قال قتادة: (زيادة هذا في نقصان هذا، ونقصان هذا في زيادة هذا). وقال ابن عباس: (هو انتقاص أحدهما من الآخر). أي فما نقص من الليل أدخله في النهار فزاده وبالعكس.
وقوله: ﴿وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى﴾. قال قتادة: (أجل معلوم وحدّ لا يُقَصِّرُ دونه ولا يتعداه). فأجرى لكم سبحانه الشمس والقمر نعمة ورحمة منه لتعلموا عدد السنين والحساب، ولتعرفوا الليل من النهار، كل يجري لوقت معلوم، فالذي يفعل ذلك هو من لا تصلح العبادة إلا له، فتوجهوا إليه أيها الناس وأفردوه بالألوهية فها أنتم أولاء تقرون له بالربوبية.
وقوله: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ﴾. قال قتادة: (أي هو الذي يفعل هذا).