منهم دكّهم الله دكًّا وجعلهم للأمم بعدهم أحاديث وقصصًا. وإليك تفصيل ما قاله المفسّرون:
قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾. قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: يا أيها الناس أنتم أولو الحاجة والفقر إلى ربكم فإياه فاعبدوا وفي رضاه فسارعوا، يغنكم من فقركم وتنجح لديه حوائجكم).
وعرّف سبحانه لفظ ﴿الْفُقَرَاءُ﴾ ليريهم أنهم لشدة افتقارهم اليه هم جنس الفقراء، كما قال عز وجل: ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ فشهد سبحانه على الإنسان بالضعف، كما قال في موضع آخر: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ﴾ فالفقر مما يتبع الضعف. فلما أثبت فقرهم إليه وغناه عنهم أتبع ذلك بذكر صفة كريمة من صفاته وهي صفة الحميد، إذ ليس كل غني جوادًا منعمًا كريمًا.
قال القرطبي: (ذكر الحميد ليدُلّ به على أنه الغني النافع بغناه خلقه الجواد المنعم عليهم، المستحق بإنعامه عليهم أن يحمدوه).
فهو المحمود على نعمه لو شاء أهلككم، فقد أنشأكم من غير ما حاجة إليكم. وبقوله: ﴿وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ تكون ﴿هُوَ﴾ في محل رفع مبتدأ، وتفيد في صرف هذه الصفة لله وحده، فهو وحده الغني الحميد لا يشاركه بهذا أحد.
وقوله تعالى: ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾. قال قتادة: (أي ويأت بغيركم). أي: فهو القادر سبحانه أن يأت بخلق سواكم يطيعونه ويأتمرون بأمره، فإن ذلك عليه يسير فخافوه وعظّموه قبل أن يفعل ذلك، فلو شاء أفناكم وجاء بأطوع منكم.
وقوله: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾.
قال ابن عباس: (يكون عليه وزر لا يجد أحدًا يحمل عنه من وزره شيئًا). وقال ابن جرير: (وإن تسأل ذات ثِقْل من الذنوب مَنْ يحمل عنها ذنوبها وتطلب ذلك لم تجد من يحمل عنها شيئًا منها ولو كان الذي سألته ذا قرابة من أب أو أخ).
وتزر أصلها تَوْزَر، فحذفت الواو اتباعًا ليزر، وقوله: ﴿وَازِرَةٌ﴾ صفة لمحذوف، وتقديره: نفس وازرة. ﴿ذَا قُرْبَى﴾ في محل نصب خبر كان، وأنّثت ﴿مُثْقَلَةٌ﴾ لتدل على النفس، أي وإن تدع نفس مثقلة أن يحمل عنها ذنوبها ذا قربى لها. ثم إن النفس