ظلامه سيكونون منوّريه غدًا، وأحفاد وضع يحكمه الطغاة سيكونون حاكميه ووارثيه غدًا، وأخيار أمة تعثرت في خضوعها للأوثان والطواغيت والشهوات سيكون لهم أمر التصدي لانحرافها وإعادتها لجادة أنبيائها وصالحيها وأبطالها.
لقد حزن المسلمون لهزيمة الروم أمام الفرس، إذ كانوا يرون أن الروم أهل كتاب مثلهم، فبينهما صلة من النسب رغم ما أصاب أولئك من انحراف في كتبهم ومنهاجهم، إذا ما قورنوا مع الفرس وعبدة الأوثان.
أخرج الترمذي بإسناد قوي عن عروة بن الزبير، عن نِيار بن مُكرَم الأسْلَمِيَّ قال: [لما نزلت ﴿الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ﴾، فكانت فارس يوم نزلت هذه الآية قاهرين للروم، وكان المسلمون يحبون ظهور الروم عليهم، لأنهم وإياهم أهل كتاب، وفي ذلك قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾، وكانت قريش تحب ظهور فارس، لأنهم وإياهم ليسوا بأهل كتاب، ولا إيمان ببعث، فلما أنزل الله هذه الآية، خرج أبو بكر يصيح في نواحي مكة: ﴿الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ﴾ فقال ناس من قريش لأبي بكر: فذاك بيننا وبينكم، زعم صاحبكم أن الروم ستغلب فارس في بضع سنين، أفلا نراهنك على ذلك؟ قال: بلى، وذلك قبل تحريم الرهان، فارتهن أبو بكر والمشركون، وتواضعوا الرهان وقالوا لأبي بكر: كم نجعل البضع ثلاث سنين إلى تسع سنين، فسَمِّ بيننا وبينك وَسَطًا ننتهي إليه؟ قال: فسمّوا بينهم ست سنين، قال: فمضت سِتُّ السِّنين قبل أن يَظْهَرُوا، فأخذ المشركون رهنَ أبي بكر، فلما دخلت السنة السابعة ظهرت الروم على فارسٍ، قال: فعاب المسلمون على أبي بكر تسميته ست سنين، لأن الله يقول: ﴿فِي بِضْعِ سِنِينَ﴾. قال: فأسلم عند ذلك ناس كثير] (١).
وروى الترمذي عن ابن عباس أن رسول الله - ﷺ - قال لأبي بكر: [ألا احتَطْتَ يا أبا بكر، فإن البِضْعَ ما بين الثلاث إلى التسع؟ ] (٢).

(١) حديث إسناده قوي. أخرجه الترمذي في السنن (٣/ ٣٤٤ - ٣٤٥)، وانظر مسند أحمد (١/ ٢٧٦) و (١/ ٣٠٤)، والنسائي في "التفسير" (٤٠٩)، وكتابي: السيرة النبوية على منهاج الوحيين: القرآن والسنة الصحيحة (١/ ٢٧٨ - ٢٧٩).
(٢) أخرجه الترمذي (٣١٩١)، والطبري (٢٧٨٦٦)، وقال الترمذي: هذا حديث غريب.


الصفحة التالية
Icon