فالعالم الورع هو الذي نصب الحق طريقًا له في حياته، وعكف على الإخلاص والإحسان منهجًا في سلوكه، ورأى في العلم أمانة فقام به لإنقاذ أمته، وعظّم الوحيين: كتاب ربه وسنة نبيّه، فهو الذي بشره الله بقوله: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة: ١١]. وهو الذي بشره رسول الله - ﷺ - ببشراه، كما يروي ذلك الإمام الترمذي بسند صحيح عن أبي أمامة الباهلي قال: [ذُكِرَ لرسول الله - ﷺ - رجلان: أحدهما عابد والآخر عالم. فقال عليه أفضل الصلاة والسلام: فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم. ثم قال: إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جُحْرِها وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناسَ الخير] (١).
ورواه البزار من حديث عائشة مختصرًا ولفظه: [معلم الخير يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحر].
وأما من أراد بالعلم الدنيا وحب الرياسة فالويل الويل، وعيد الله ورسوله له ولعمله بالبوار، والخسارة والهلاك والدمار.
فقد أخرج أبو داود وابن ماجة بسند صحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - ﷺ -: [من تعلم علمًا مما يُبْتَغى به وجهُ الله تعالى، لا يتعلمه إلا ليصيبَ به عرضًا من الدنيا، لم يجد عرف الجَنَّة يوم القيامة] (٢). يعني ريحها.
وروى الترمذي بسند صحيح عن كعب بن مالك قال: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: [من طلب العلمَ ليجاريَ به العلماء أو ليماريَ به السفهاء ويصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار] (٣).
وروى عبد الرزاق في المصنف موقوفًا على ابن مسعود قال: [كيف بكم إذا لبِسَتكم فتنة، يربو فيها الصغيرُ، ويهرَمُ فيها الكبير، وتُتَّخَذُ سنة، فإن غُيِّرت يومًا قيل: هذا منكر! قيل: ومتى ذلك؟ قال: إذا قَلّتْ أمناؤكم، وكثرت أمراؤكم، وقلَّتْ فقهاؤكم،
(٢) حديث صحيح. أخرجه أبو داود (٣٦٦٤)، وابن ماجة (٢٣٢). انظر صحيح سنن أبي داود (٣١١٢). ورواه أحمد بلفظ "عوضًا" بدل "عرضًا" أيضًا، انظر صحيح الجامع (٦٠٣٥).
(٣) حديث حسن. أخرجه الترمذي في السنن (٢٦٥٤). انظر صحيح الترمذي (٢١٣٨). وله شاهد عند ابن ماجة من حديث ابن عمر. انظر صحيح الجامع (٦٢٥٨)، (٦٢٥٩).