الله، وعني بالمصطفين أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، والظالم لنفسه المنافق منهم وهو في النار، والمقتصد والسابق في الجنة.
فعن ابن عباس: (﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ إلى آخر الآية. قال: جعل أهل الإيمان على ثلاثة منازل، كقوله: ﴿وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ﴾ ﴿وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ﴾ ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ﴾ فهم على هذا المثال). وعن عكرمة عن عبد الله قال: (اثنان في الجنة وواحد في النار).
وقال قتادة: (كان الناس ثلاث منازل في الدنيا وثلاثَ منازل عند الموت وثلاث منازل في الآخرة، أما الدنيا فكانوا: مؤمن ومنافق ومشرك. وأما عند الموت فإن الله قال: ﴿فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٨٨) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (٨٩) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (٩٠) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (٩١) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (٩٢) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (٩٣) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ﴾. وأما في الآخرة فكانوا أزواجا ثلاثة: ﴿فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (٨) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (٩) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ﴾).
فَفُسِّر هنا ﴿ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ﴾ -على هذا القول- بأنه الكافر. وقد رُوي هذا المعنى عن ابن عُيَيْنة وعطاء عن ابن عباس. ويكون الضمير في ﴿يَدْخُلُونَهَا﴾ يعود على المقتصد والسابق لا على الظالم. وعن عكرمة وقتادة: (أن المقتصد: المؤمن العاصي، والسابق التقي على الإطلاق). وقال مجاهد: ﴿فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ﴾ أصحاب المشئمة، ﴿وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ﴾ أصحاب الميمنة، ﴿وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ﴾ السابقون من الناس كلهم).
ورجح القرطبي هذا -أي التفسير الثاني- وقال: (لأن الكافر والمنافق لم يُصطفوا بحمد الله ولا اصطفى دينهم).
التفسير الثالث: الظالم صاحب الكبائر، والمقتصد الذي لم يستحق الجنة بزيادة حسناته على سيئاته، فالجنات للذين سبقوا بالخيرات لا غير. وفيه نظر.
والراجح -الذي أميل إليه- أن الكتاب هو القرآن الكريم وفيه الحق الذي جاء في الكتب قبله، كما قال في الآية قبلها: ﴿وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ﴾ أي القرآن ﴿هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ من الكتب قبله. ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ أي: ثم أعطينا هذا الميراث وهو القرآن المتضمن للحق الذي قامت عليه السماوات والأرض وبعثت به الرسل إلى المؤمنين من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- الذين انتموا إليه وإلى منهاجه


الصفحة التالية
Icon