واتبعوه، ولكنهم في الطريق تفرقوا إلى ثلاث طوائف: طائفة اجتالتهم الشياطين أثناء مسيرهم ووسوسوا لهم حتى ركبوا المعاصي وبعض الكبائر ولم يكونوا من أصحاب الهمم فسقطوا وظلموا أنفسهم لكنهم لم يشركوا بالله، فلربما أدخلهم سبحانه في سعة رحمته وتجاوز عن تقصيرهم ووقوعهم. وطائفة من أصحاب اليمين أعطوا الدنيا حقها والآخرة حقها، فكانوا وسطًا في هممهم وطموحاتهم، فتجاوز عنهم سبحانه وحاسبهم حسابًا يسيرًا.
وطائفة هم السابقون الذين شمّروا إلى المعالي ولم ينشغلوا بسفساف الأمور وحقيرها، وأهمتهم الآخرة ونعيمها، فعاشوا للجهاد في سبيل الله، وطلب العلم الذي يوصل إلى الفردوس في جنانها، فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا.
أخرج الترمذي بسند صحيح عن أبي سعيد الخدري: [عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال في هذه الآية: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ قال: هؤلاء كُلهم بمنزلة واحِدَة وكُلّهُم في الجنة] (١).
وقوله: ﴿ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾. قال ابن جرير: (فسبوق هذا السابق من سبقه بالخيرات بإذن الله هو الفضل الكبير الذي فضل به من كان مقصّرًا عن منزلته في طاعة الله من المقتصد والظالم لنفسه). وقيل: (ذلك الاصطفاء مع علمنا بعيوبهم هو الفضل الكبير). وقيل: (وعد الجنة لهؤلاء الثلاثة هو الفضل الكبير). وقيل: (إتياننا الكتاب لهم). قال سهل بن عبد الله: (السابق العالم، والمقتصد المتعلم، والظالم الجاهل). وقال ابن عطاء: (الظالم الذي يحب الله من أجل الدنيا، والمقتصد الذي يحبه من أجل العقبى، والسابق الذي أسقط مراده بمراد الحق).
وقيل: قدم الظالم لئلا ييئس من رحمة الله، وأخر السابق لئلا يعجب بعمله. وقيل: قدم الظالم لكثرة الفاسقين منهم وغلبتهم، وأن المقتصدين قليل بالإضافة إليهم، والسابقين أقل من القليل.
ثم قال: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا﴾ أي بساتين إقامة يتنعمون بها -هؤلاء الذين أورثناهم الكتاب- ﴿يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ﴾ فيتقلبون في