٢ - وقال تعالى: ﴿كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا﴾ [الإسراء: ٩٧].
٣ - وقال تعالى: ﴿الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (١٢) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾ [الأعلى: ١٣ - ١٢].
فوصف سبحانه خلود الكافرين في النار، فلا طريقة ولا حيلة للتخلص من هذا المصير المؤلم، فلقد سلكوا الطرق والسبل والحيل يتلاعبون بها في الدنيا للاستهزاء بشرع الله وإبعاده.
أخرج الإمام أحمد في المسند، والإمام مسلم في الصحيح، عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: [أمّا أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم فاماتتهم إماتة، حتى إذا كانوا فحمًا أُذن بالشفاعة، فجيء بهم ضَبائرَ ضَبائرَ، فبثوا على أنهار الجنة، ثم قيل: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم، فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل] (١).
وقرأ الحسن: "فيموتون" بالعطف على يقضى، أي لا يقضى عليهم ولا يموتون. والأولى أشهر.
وَقوله: ﴿كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ﴾. قال ابن جرير: (هكذا يكافئ كل جحود لنعم ربه يوم القيامة بأن يدخلهم نار جهنم بسيئاتهم التي قدموها في الدنيا).
وقوله: ﴿وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا﴾، على وزن "يفتعلون" من الصراخ وهو الصوت العالي. وأصلها يصترخون، فحوّلت التاء طاء لقرب مخرجها من الصاد لما ثقلت.
فالكفار يستغيثون في جهنم بصوت عال فيه صراخ: ﴿رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا﴾. قال ابن عباس: (نقل: لا إله إلا الله). ﴿غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ﴾. قال القرطبي: (أي من الشرك، أي نؤمن بدل الكفر ونطيع بدل المعصية ونمتثل أمر الرسل).
وقال ابن كثير: (وهم ينادون فيها يجأرون لله عز وجل بأصواتهم الرجعة للدنيا ليعملوا غير عملهم الأول، وقد علم الرب جل جلاله أنهم لو ردهم للدار الدنيا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون، ولهذا لا يجيبهم إلى سؤالهم).
ثم أجابهم سبحانه بقوله وبحجته البالغة: ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ﴾.

(١) حديث صحيح. أخرجه أحمد ومسلم من حديث أبي سعيد. انظر صحيح مسلم (١/ ١١٨)، وكتابي: أصل الدين والإيمان (٢/ ٧٥٥) لتفصيل البحث.


الصفحة التالية
Icon