وهذه الآية مفسَّرة بالسنة الصحيحة. فقد أخرج الحاكم بسند صحيح عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: [إذا بلغَ الرجل من أمتي ستين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر] (١).
وله شاهد في مسند عبد بن حميد، عن سهل بن سعد، رضي الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: [إذا بَلغَ الله العبد ستين سنة، فقد أعذر إليه وأبلغ إليه في العمر] (٢).
وأصله في صحيح الإمام البخاري من حديث أبي هريرة بلفظ: [أعذر الله عز وجل إلى امرئٍ أخَّر عُمُرَهُ حتى بلغ ستين سنة] (٣).
قال الخطابي: (أعذر إليه: أي بلغ به أقصى العذر).
فهذا العمر حجة الله على عباده، وهذه المدة بين الستين والسبعين كافية لمن أراد أن يتذكر أو أراد شكورًا، ولو زاد الله بعدها ألف سنة في العمر لكانت هذه الزيادة إضافية، فالستون أو السبعون سنة من العمر مؤشر مقبول عن بقية العمر، ولذلك جعل الله هذا العمر وسطًا بين الأمم.
فقد أخرج ابن ماجة والترمذي عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: [أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك] (٤).
وخلاصة المعنى: كأنه يقول لهم جل ثناؤه لما نادوه مستجيرين به -وما كانوا يفعلون ذلك في الدنيا بل انصرفوا لدعاء غيره وعبادة من دونه- فأجابهم: أوما عشتم في الدنيا أعمارًا لو كنتم ممن ينتفع بالحق لانتفعتم به في تلك المدة من أعماركم. قال القرطبي: (والمعنى أن من عمّره الله ستين سنة لم يبق له عذر لأن الستين قريب من معترك المنايا، وهو سن الإنابة والخشوع وترقّب المنية ولقاء الله تعالى).

(١) حديث صحيح. أخرجه الحاكم (٢/ ٤٢٨)، وانظر مسند أحمد (٢/ ٣٢٠)، وتفصيل الروايات في سلسلة الأحاديث الصحيحة (١٠٨٩).
(٢) حديث صحيح. انظر مستدرك الحاكم (٢/ ٤٢٨)، وانظر صحيح الجامع الصغير (٤٠٨).
(٣) حديث صحيح. أخرجه البخاري (١١/ ٢٠٠ - فتح)، والحاكم (٢/ ٤٢٧)، وأحمد (٢/ ٢٧٥).
وصنَّفَهُ البخاري في باب: "من بلغ ستين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر لقوله عز وجل: ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ﴾: يعني الشيب".
(٤) حديث حسن. أخرجه ابن ماجة (٤٢٣٦)، والترمذي (٣٥٥٠). انظر صحيح سنن ابن ماجة (٣٤١٤) -كتاب الزهد- باب الأمل والأجل.


الصفحة التالية
Icon