أنزلنا لهم كتابًا فيه برهان على التماسهم شيئًا من الشركاء شرعه الله ورضيه لهم، أم إنهم ماضون في غواية الشياطين لهم، فهذه ذكرى مفيدة إذا أرادوا أن يلحقوا بالنجاة قبل فوات الأوان، فالله سبحانه هو الذي يمسك السماوات والأرض ولو شاء لتركهما فسقطت السماوات فدمرتهم، وتحركت الأرض بالزلازل فأهلكتهم، ولكنه حليم عمن أشرك وكفر يؤخره إلى أجل عله يتذكر ويعتبر، وهو غفور لمن أناب وانزجر واعتبر. ثم يذكرهم سبحانه بإقسامهم به أشد الإقسام أن لو جاءهم منذر من الله لسلكوا طريق الحق وخير السبل وكانوا أهدى من إحدى الأمم التى مضت لما جاءهم محمد -صلى الله عليه وسلم- استكبروا ونفروا وصدوا عن سبيله، فلا يحيق الخداع إلا بأهله، ومصير أهله الدمار، سنة الله ولن تجد لسنته تحويلًا. فهذه ديار من أهلك الله من الأمم قبلهم يمرون عليها في تجارتهم في طريق الشام، فيها آثار من كفر وأسرف ولم يؤمن بآيات ربه، فليتعظوا فإنما يمهلهم الله ويحتج عليهم بفرص، فإذا حان أوان الدرس الإلهي فلا طريقة للنجاة من عقابه سبحانه، إنه كان بعباده بصيرًا. فإلى تفصيل ذلك:
فعن قتادة: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ﴾ قال: أمة بعد أمة وقرنًا بعد قرن).
وفي رواية: (خلفًا بعد خَلَف، قرنًا بعد قرن).
ولهذا سمي أبو بكر رضي الله عنه بخليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لأن الخلف هو التالي للمتقدم.
وقوله: ﴿فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ﴾. أي: سيناله جزاء كفره من عذاب الله وعقابه.
وقوله: ﴿وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا﴾. أي: إلا بعدًا من رحمة الله وبُغْضًا وغضبًا. ﴿وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا﴾. أي: هلاكًا وضلالًا.
وقوله: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ﴾.
قال قتادة: (لا شيء والله خلقوا منها). وقوله: ﴿أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ﴾. قال قتادة: (لا والله ما لهم فيها شرك). وقوله: ﴿أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ﴾. قال: (أم آتيناهم كتابًا فهو يأمرهم أن يشركوا).
ونصب ﴿شُرَكَاءَكُمُ﴾ بـ ﴿أَرَأَيْتُمْ﴾. أي: أخبروني عن شركائكم الذين تدعونهم هل عبدتموهم لأن لهم شركة مع الله في خلق السماوات أو في قطعة من الأرض، أم عندهم كتاب أنزلناه إليهم يشير إلى مثل هذه الشركة. {بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا


الصفحة التالية
Icon