وقوله: ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ﴾. قال قتادة: (قال بعضهم: لتنذر قومًا ما أنذر آباؤهم من إنذار الناس قبلهم. وقال بعضهم: لتنذر قومًا ما أنذر آباؤهم: أي هذه الأمة لم يأتهم نذير حتى جاءهم محمد -صلى الله عليه وسلم-). وقال عكرمة: (قد أنذروا). فهناك تفسيران:
١ - تكون ﴿مَا﴾ والفعل مصدرًا -والتقدير: لتنذر قومًا إنذار آبائهم- أي لتنذر يا محمد هؤلاء القوم إنذارًا يشبه الإنذار الذي بلغ الأقوام قبلهم من رسلهم. وقد تكون ﴿مَا﴾ بمعنى الذي، والتقدير قريبٌ من هذا -أي: لتنذرهم مثل ما أنذر آباؤهم-.
فإن قيل: يجوز أن يَكون العرب أنذروا بخبر الأنبياء بالتواتر! فيقال: لكن لم ينذروا برسول من أنفسهم أو ببلاغ مبين.
٢ - تكون ﴿مَا﴾ لا محل لها من الإعراب، وَالتقدير نفي -أي لتنذر قومًا لم ينذروا، أو ما أتى آباءهم قبلك نذير-. كقوله تعالى: ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾ وكقوله: ﴿وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ﴾.
أي لم يأتهم نبي يقيم عليهم الحجة والبلاغ المبين. قال ابن كثير: (لتنذر العرب فإنه ما أتاهم من نذير قبلك) أي بعد إبراهيم عليه السلام.
قلت: وكلا المعنيين حق. فكان هناك فترة من الرسل قبل محمد -صلى الله عليه وسلم-، ولكنهم كانوا مأمورين بدين إبراهيم دين التوحيد، وقد وصلوا بأخبار الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فأحب الله أن يقيم عليهم الحجة البالغة بإرسال محمد -صلى الله عليه وسلم- لينهضوا من الغفلة واتباع الشياطين.
وقوله: ﴿فَهُمْ غَافِلُونَ﴾. أي معرضون متغافلون عن عقاب الله، فأحب الله أن يجدد الأمر لهم. قال ابن جرير: (﴿فَهُمْ غَافِلُونَ﴾ عما الله فاعل بأعدائه المشركين من إحلال نقمته وسطوته بهم).
وقو له تعالى: ﴿لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾.
هذا فيما سبق من علم الله، فيمن يموت على كفره ولا يؤمن بآيات الله ويكذب رسله. قال شيخ المفسرين: (لقد وجب العقاب على أكثرهم لأن الله قد حتم عليهم في أم الكتاب أنهم لا يؤمنون بالله ولا يصدقون رسله).
ثم قال جل ذكره مفصلًا سبب تركهم الإيمان: {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى