قال ابن عباس: (يعني معايشهم، متى يحصدون ومتى يغرسون). وقال قتادة: (﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ من حِرْفَتها وتصرّفها وبغيتها).
وقال الحسن البصري: (والله ليَبْلُغُ من أحدهِم بدنياه أنه يقلِبُ الدرهم على ظُفُره، فيخْبِرُك بوزنِه، وما يحسن يُصَلّي).
وقال ابن عباس: (﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾ يعني: الكفار، يعرِفون عُمران الدنيا، وهم في أمر الدين جُهّال).
وجملة القول: إن أكثر الناس في هذه الحياة الدنيا مشغولون بها، متقنون لفنون اكتسابها وتحصيل متاعها وأموالها وزخرفها، حذّاق أذكياء في طرق السَّبق فيها لجمع أكثر ما يمكن من زينتها، وهم غافلون عن أمر آخرتهم، وما بعد موتهم، وما يكون في قبورهم إذا رحلوا عنها، بعيدون عن ربهم، جاهلون في دينهم وما يصلح دنياهم ومعادهم.
أخرج البخاري عن أبي هريرة، عن النبي - ﷺ - قال: [تعِسَ عبد الدينار، وعبدُ الدرهم، وعبد الخميصة، إنْ أعطي رضيَ، وإن لم يُعطَ سخط، تعسَ وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش...] (١).
وأخرج البيهقي وابن حبان بسند صحيح، عن أبي هريرة، قال رسول الله - ﷺ -: [إن الله يبغضُ كلَّ جعظري جَوَّاظ، سَخّاب في الأسواق، جيفة بالليل، حمارٍ بالنهار، عالمٍ بالدنيا، جاهل بالآخرة] (٢).
٨ - ١٠. قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (٨) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٩) ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٢٨٨٦)، كتاب الجهاد والسير.
(٢) حديث صحيح. رواه ابن حبان في صحيحه (١٩٥٧ - موارد)، وأخرجه البيهقي (١٠/ ١٩٤).


الصفحة التالية
Icon