الرسّ وهم أصحاب الرسّ) (١). والقصب: المعي.
وذكر ابن جرير عن قتادة: (هذا رجل دعا قومه إلى الله وأبدى لهم النصيحة فقتلوه على ذلك، وذُكِرَ لنا أنهم كانوا يرجمونه بالحجارة وهو يقول: اللهم اهد قومي، اللهم اهد قومي، اللهم اهد قومي، حتى أقْعصوه وهو كذلك. قال: أدخله الله الجنة وهو فيها حيّ يرزق).
وقيل: معنى قيله: ﴿ادْخُلِ الْجَنَّةَ﴾ وجبت لك الجنة، فهو خبر بأنه قد استحق دخول الجنة، لأن دخولها يستحق بعد البعث. قال مجاهد: (قيل: قد وجبت له الجنة، قال ذلك حين رأى الثواب).
وعن ابن إسحاق عن بعض أصحابه أنَّ عبد الله بن مسعود كان يقول: (قال الله له: ادخل الجنة، فدخلها حيًّا يُرزق فيها قد أذهب الله عنه سقم الدنيا وحزنها ونصبها، فلما أفضى إلى رحمة الله وجنته وكرامته: ﴿قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾).
قال ابن عباس: (نصح قومه في حياته بقوله: ﴿يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ﴾ وبعد مماته في قوله: ﴿قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾). قال: (نصح قومه حيًا وميتًا). وقال أبو مجلز: (﴿بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي﴾: إيماني بربي وتصديقي رسله والله أعلم).
وخلاصة المعنى: أنه كان مخلصًا لله في دعوته، دافع عن الحق وعن رسل الحق، وضحّى بنفسه من أجل الحق الذي هدّد رؤوس الكبر والكفر في قومه، فوثبوا عليه فقتلوه ليخلدوا إلى دنياهم دون منافس لهم، وليستعبدوا الناس دون صارف لهم عنهم، فأثابه الله حسن أثر في الدنيا ونعيم في الآخرة، ووصف الله حاله في نعيمه على لسانه بنفسه، فقال: ﴿يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾. قال ابن كثير: (أي: أنهم لو اطلعوا على ما حصل لي من النعيم المقيم والثواب العظيم، لقادهم ذلك إلى اتباع الرسل، فرحمه الله ورضي عنه كم كان حريصًا على هداية قومه).
وقال القرطبي: (وفي معنى تمنيه قولان: أحدهما أنه تمنى أن يعلموا بحاله ليعلموا حسن مآله وحميد عاقبته. الثاني: تمنى ذلك ليؤمنوا مثل إيمانه فيصيروا إلى مثل