آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٤٧)}.
في هذه الآيات: يقول الله جل ثناؤه لنبيّه -صلى الله عليه وسلم-: إنه من عظيم الدلالة لهؤلاء المشركين من قومك على قدرة الله سبحانه على إعادة الموتى بعد فنائهم وبعثهم من مرقدهم لمحشرهم هو إحياؤه الأرض الميتة التي خوت من العطاء، بالغيث والقطر فيجعل منها جنات وبساتين وثمارًا من نخيل وأعناب، ويفجر فيها الينابيع والعيون، ليأكلوا من تلك الثمار التي غرسوها أو لم يغرسوها وإنما أنبتها الله ولا جهد بذلك بذلوه لعلهم يشكرون، فتعالى الله الذي خلق من كل شيء زوجين من البشر والنبات والحيوان ومما لا يعلمون. ثم دليل آخر على قدرته على البعث والنشور سبحانه، هو ما يعاقبه من النهار والظلمة، فينسلخُ الليل من النهار والنهار من الليل، وتجري الشمس إلى مقادير مواضعها، وتسجد كل يوم بين يدي ربها الذي قدّر حركتها وحركة القمر الذي يسير في نظام، ويتقلب في منازل، فلا الشمس تصطدم بالقمر، ولا ضوء الشمس يشبه ضوء القمر، ولا الأوقات كلها ليل أو كلها نهار، بل كل يجري في مجرى ومدار، يسبحون الواحد القهار. ثم دلالة ثالثة على قدرته سبحانه أنّه نجّى -من الغرق- مع نوح من اختار تفضلًا، وجعل لهؤلاء المشركين من المراكب مثل تلك السفن يركبونها، ويجحدون تلك النعم تجاهلًا، ولو شئنا لقابلناهم ذلك الجحد بالغرق فهلكوا تقتلًا، ولكن أمهلناهم وأجلناهم علهم يعودون إلى الله تبتلًا، ولكن هيهات فقد قست قلوبهم، فإذا ذُكِّروا بمن هلك قبلهم من الأمم بالمعاصي تكبرًا وسئلوا التوبة مما مضى من الذنوب أو مما هو قادم لاستمرارهم على طريق الفتنة تجبّرًا، أعرضوا، ولو سئلوا الإنفاق استهزؤوا واحتجوا بقدرة الله على الإطعام وبمشيئته تسترًا.
وتفصيل ذلك:
قوله تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ﴾.
تنبيه من الله تعالى للمشركين على كمال قدرته وعظيم آياته. فهو الذي يحيي الأرض الميتة بالنبات والحب. قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: ودلالة لهؤلاء المشركين على قدرة الله على ما يشاء وعلى إحيائه من مات من خلقه وإعادته بعد فنائه كهيئته قبل مماته إحياؤه الأرض الميتة التي لا نبت فيها ولا زرع بالغيث الذي ينزله من السماء حتى يخرج زرعها، ثم إخراجه منها الحب الذي هو قوت لهم وغذاء فمنه يأكلون). أي به يتغذون.