وقوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ﴾.
أي جعلنا من الأرض الميتة بعد بث الحَياة فيها بساتين من نخيل وأعناب، وخصصهما بالذكر لأنهما أعلى الثمار، ولمملك فيها من الينابيع وعيون الماء وما تفجر فيها من مياه الأمطار. ﴿لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ﴾: الهاء تعود على ماء العيون، فقد اندرج الثمر منه. وقيل: بل التقدير: ليأكلوا من ثمر ما ذكرنا، كقوله تعالى: ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ﴾. قال النسفي: (والضمير لله تعالى، أي لتأكلوا مما خلقه الله من الثمر).
وقوله: ﴿وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ﴾. قال ابن كثير: (أي غرسوه ونصبوه، وإلا ففي الحقيقة ما كان إلا رحمة الله بهم لا بسعيهم وكدّهم ولا بحولهم وقوتهم).
- وقيل "ما" في محل جر عطفًا على الثمر. والتقدير: ومِنَ الذي عملت أيديهم مما غرسوا وزرعوا. أو التقدير: (ومما عملته أيديهم) وقد روي ذلك بقراءة عبد الله.
- وقيل "ما" بمعنى المصدر. والتقدير: (ومِنْ عمل أيديهم).
- وقيل "ما" نافية لا محل لها. والتقدير: (ولم تعمله أيديهم). أي من الزرع الذي أنبته الله لهم أو غرسوه بتوفيق الله لهم، لكن هو الذي أنبته لهم وجعل منه ثمرًا ورزقًا، فلا مقارنة بين العملين، والكل من عون الله وتوفيقه.
وذكر القرطبي رحمه الله معنى جميلًا آخر قال: (وقال غيرهم: المعنى: وَمِنَ الذي عملته أيديهم أي من الثمار، ومن أصناف الحلاوات والأطعمة ومما اتخذوا من الحبوب بعلاج كالخبز والدهن المستخرج من السمسم والزيتون).
وقال النسفي: (أي مما عملته أيديهم من الغرس والسقي والتلقيح وغير ذلك من الأعمال إلى أن يبلغ الثمر منتهاه، يعني أن الثمر في نفسه فعل الله وخلقه وفيه آثار من كدّ بني آدم).
قلت: وكل ما ذُكِرَ من المعاني داخل في هذا الكلام الإلهي المعجز، وهذا البيان الرائع، وفي الآية إشارة إلى العمل وفضل تكسب الإنسان بيده. كما روى الإمام أحمد والطبراني عن رافع بن خديج، قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أي الكسب أطيب؟ قال: