اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٦٤) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٦٥) وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (٦٦) وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ (٦٧) وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (٦٨) وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (٦٩) لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (٧٠)}.
في هذه الآيات: يخبر الله سبحانه عن استهزاء المشركين بأمر البعث والقيامة، واستبعادهم بعقولهم القاصرة تخيل حصول ذلك. فكيف بهم يا محمد إذا سمعوا نفخة الفزع في الصور والناس في أسواقهم وطرقهم ومجالسهم وهم يتشاجرون ويتخاصمون في معايشهم وعلاقاتهم، فينفخ إسرافيل بأمر الله تلك النفخة في الصور نفخة يمدها ويطولها فلا يبقى أحد على وجه الأرض إلا أصغى ليساق بعدها الناس إلى محشر القيامة، فلا يستطيعون أن يتركوا وصية على أموالهم وذراريهم، فالأمر أدهى من ذلك وأشد، ولا هم يرجعون إلى معايشهم ودنياهم وأعمالهم وأسواقهم، فهذه هي نفخة الفزع كما قال جل ثناؤه: ﴿وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ﴾. ثم تكون بعدها نفخة الصعق حيث تموت فيها الخلائق، ثم بعدها نفخة البعث كما قال جل ذكره: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ﴾. فالنفخة الثانية هي نفخة الصعق والموت، والنفخة الثالثة هي نفخة البعث إلى الحشر والنشور والقيام من الأجداث والقبور سراعًا ينسلون أي يمشون مسرعين، فإذا عاينوا ذلك قالوا متحسرين: يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا ومن قبورنا؟ فقد أَشْقَوا أنفسهم وعقولهم بالظن أنهم لا يبعثون، فلما عاينوا البعث فزعوا وعلموا أن القبر وعذابه بالنسبة لما بعده مما يبصرون من الأهوال كالرقاد، فيجيبهم المؤمنون أو الملائكة: هذا ما وعد الرحمان وصدق المرسلون، فإذا هم بصيحة واحدة محضرون في عرصات المحشر لم يجازوا إلا بما عملوا ولا يظلمون. فأما المؤمنون فيرحلون من العرصات إلى الروضات في الجنات، فينشغلون بنعيمها، وحلائلهم معهم في الظلال وعلى السرر متكئون، يطعمون الفاكهة وأنواع الملاذ ويحييهم الله بالسلام. في حين تميز حال الكفار والمشركين وقد ذَكَّرَهُم


الصفحة التالية
Icon