الله بعهده وميثاقه عليهم ألا يعبدوا الشيطان فهو العدو لهم، وأن يفردوه سبحانه بالعبادة والتوجه فهو الرحيم بهم. وكم أهلك الله أممًا مشت وراء شيطانها وشهواتها وضيعت أوامر ربها واستهزأت بدينها، فهذه جهنم يعاني فيها اليوم المتكبرون والمجرمون، فاليوم تنطق الأيدي وتشهد الأرجل ويختم على الأفواه، فتحدّث الجوارح عن صاحبها ما اجترح من آثام وموبقات، وما استخدمها في الكيد والمكر من المؤمنين بالله ومنهاجه. فقل يا محمد لهؤلاء المشركين من قومك: لو شاء الله ما عاقبكم فأضلكم على علم وأعماكم عن الهدى فلا تؤمنون حتى تروا العذاب الأليم، ولو شاء لأقعدكم وشلّ حركتكم أو أهلككم في مساكنكم فلا تتقدمون. فمن مدّ الله له في العمر أعاده ضعيفًا بعد قوة ليتواضع إلى الله أحوج ما يحتاج إلى ذلك مع اقتراب الأجل أفلا تعقلون. وهذا النبي الكريم -عليه أفضل الصلاة والتسليم- ما جاءكم بالشعر وصناعة الكلام بل بالقرآن والحق المبين نذارة لكم ولكل حي القلب سليم العقل، وليقيم الله الحجة به على الكافرين، فيحاكمهم له في أعمالهم وما اجترحت جوارحهم فيذوقوا العذاب الأليم.
وتفصيل ذلك:
قوله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾. هو كقوله جل ثناؤه: ﴿يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ﴾ [الشورى: ١٨].
وكقوله جل ذكره: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ١٨٧].
وكقوله سبحانه: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (٥٠) أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ﴾ [يونس: ٥٠ - ٥١].
فلما قيل لهم: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ﴾. أجابوا مستهزئين: مَتَى هَذَا أتوَعْدُ ﴿مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾.
فقال الله تعالى: ﴿مَا يَنْظُرُونَ﴾ أي ما ينتظرون ﴿إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً﴾ وهي نفخة الفزع.
فالنفخ في الصور ثلاث:
١ - النفخة الأولى: وهي نفخة الفزع. كما قال جل ثناؤه في سورة النمل: {وَيَوْمَ


الصفحة التالية
Icon