يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ}.
٢ - النفخة الثانية: وهي نفخة الصعق. كما قال سبحانه في سورة الزمر: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ﴾. قال السدي: (أي مات. ﴿إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ قال جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت).
٣ - النفخة الثالثة: وهي نفخة القيام لرب العالمين. كما قال سبحانه في آية الزمر: ﴿ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ﴾. قال ابن كثير: (أي أحياء بعدما كانوا عظامًا ورفاتًا صاروا أحياء ينظرون إلى أهوال يوم القيامة).
فما ينتظر هؤلاء المكذبون إلا نفخة الفزع والناس يومئذ في أسواقهم ومعايشهم يختصمون ويتشاجرون في مثل عادتهم إذ أمر الله إسرافيل فنفخ في الصور نفخة يمدها ويطولها، فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتًا ورفع ليتًا -أي أمال صفحة عنقه ينصت إلى الصوت من قبل السماء- ثم يساق الموجودون من الناس إلى أرض المحشر، فلا وقت لديهم للوصية ولا رجعة إلى الأسواق والمشاغل. ثم تُتْبع هذه النفخة بنفخة الصعق التي يموت بها المخاليق ثم يقوم الناس لرب العالمين بعد سماع نفخة البعث والقيام.
أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - ﷺ -: [يخرج الدجال في أمتي فيمكث فيهم أربعين لا أدري أربعين يومًا أو أربعين شهرًا أو أربعين عامًا أو أربعين ليلة، فيبعث الله تعالى عيسى بن مريم عليهما الصلاة والسلام كأنه عروة بن مسعود الثقفي، فيظهر فيهلكه الله تعالى. وفي رواية: (فيطلبُه فيهلكه). ثم يلبث الناس بعده سنين سبعًا ليس بين اثنين عداوة، ثم يرسل الله تعالى ريحًا باردة من قبل الشام، فلا يبقى أحد في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلا قبضته، حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل لدخلت عليه. ويبقى شرار الناس في خفة الطير (١) وأحلام السباع (٢) لا يعرفون معروفًا ولا ينكرون منكرًا. قال: فيتمثل لهم الشيطان فيقول: ألا تستجيبون! فيأمرهم بعبادة الأوثان، فيعبدونها، وهم في ذلك دارّة أرزاقهم حسن عيشهم، ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتًا ورفع ليتًا، وأول من يسمعه رجل يلوط حوضه -أي يطينه ويصلحه- فيصعق، ثم لا يبقى أحد إلا صعق، ثم يرسل الله تعالى مطرًا كأنه الطل فتنبت منه أجساد الناس، ثم ينفخ

(١) كناية عن سرعتهم للشرور واتباع الشهوات والفساد، فهي كسرعة الطير.
(٢) كناية عن شدة شروعهم بالعدوان والظلم، فهم بذلك كالسباع الضارية العادية.


الصفحة التالية
Icon