من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون، فذلك حين لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا، ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وهو يُلِيطُ حوضه فلا يسقي فيه، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها] (١).
وقوله: ﴿تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ﴾. أي يختصمون في أحوال دنياهم فتأخذهم الصيحة فيموتون وهم على ذلك. وقد قرأها قراء المدينة ﴿وَهُمْ يَخِصِّمُونَ﴾ بتسكين الخاء وتشديد الصاد، فجمعوا بين الساكنين، ومعناها يختصمون، فكأن التاء أدغمت في الصاد. في حين قرأها بعض قراء مكة والبصرة: ﴿وَهُمْ يُخَصِّمُونَ﴾ بمعنى يختصمون. وقرأها بعض قراء الكوفة: ﴿يَخِصِّمُونَ﴾ أي يخصِمُ بعضهم بعضًا. وقرأها بعضهم الآخر: ﴿يَخْصِمون﴾ على وزن يفعلون، أي من الخصومة، فهم يخصمون من وعدهم مجيء الساعة ويغلبون بالجدل. وكلها قراءات مشهورة.
وخلاصة المعنى: أَنَّ الساعة تفجؤهم وهم غارقون في أمور دنياهم يختصمون عليها، فلا يستطيع هؤلاء المشركون عند ذلك أن يوصوا في أموالهم، ولا أن يرجع أحدهم إلى أهله فإنهم لا يُمْهَلُون بذلك بل يُعَجَّلون إلى الهلاك.
كما قال قتادة: ﴿فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً﴾ أي فيما في أيديهم ﴿وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ﴾ قال: أُعْجِلوا عن ذلك). وقال ابن زيد: ﴿مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً﴾ الآية قال: هذا مبتدأ يوم القيامة، وقرأ ﴿فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً﴾ حتى بلغ ﴿إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ﴾). وقيل: لا يستطيع أحدهم أن يوصي غيره بالتوبة والإقلاع، بل يعاجلون بالموت والهلاك في مواضعهم وأسواقهم.
ثم قال سبحانه: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ﴾.
وهذه هي نفخة البعث والقيام لرب العالمين. كما قال سبحانه: ﴿ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ﴾. والأجداث هي القبور، واحدها جَدَث. وقوله: ﴿يَنْسِلُونَ﴾ من النَّسَلان، وهو الإسراع في المشي. كما قال ابن عباس: ﴿فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ﴾. يقول: من القبور يخرجون). والصور هو القَرْن. والآية كقوله تعالى: