الهَرَم). وقال سفيان: (إذا بلغ ثمانين سنة تغير جسمه وضعفت قوته). وقرأها عامة قراء المدينة والبصرة: ﴿نُنَكِّسّهُ﴾ بالتشديد. وأما القراءة بالتخفيف ﴿نَنكسْهُ﴾ فهي قراءة بعض الكوفيين، وبعضهم قرأها ﴿نَنْكُسْه﴾ من نكس الشيء فانتكس إذا قلبه على رأسه، والنُّكْسُ: عود المرض بعد النَّقَه. والقراءة بالتشديد أشهر، فهي من التنكيس وهو تغير الحال، واختار ذلك ابن جرير وقال: (لأن التنكيس من الله في الخلق إنما هو حال بعد حال، وشيء بعد شيء، فذلك تأييد للتشديد). وقال النسفي في تفسيره: (والتنكيس جعل الشيء أعلاه أسفله).
وخلاصة المعنى: أنَّ الله سبحانه قد قضى أن يمرّ الإنسان في الحياة بمراحل: خلقه من ضعف ثم أمدّه بالقوة والشباب، ثم قضى أن يعود إلى الضعف والهرم في الشيخوخة والعجز بعد النشاط. كما قال جل ذكره في سورة الروم: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾. وكما قال في سورة النحل: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾. وكقولِه تعالى في سورة الحجِ: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا﴾. وكقوله في سورة التين ﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ﴾.
قال القرطبي رحمه الله: (فطول العمر يصيّر الشاب هرمًا، والقوة ضعفًا، والزيادة نقصًا، وهذا هو الغالب). ومن آفاق معاني هذه الآية الكريمة ما قال الحافظ ابن كثير رحمه الله -في تفسيرها-: (والمراد من هذه الآية -والله أعلم- الإخبار عن هذه الدار بأنها دار زوال وانتقال لا دار دوام واستقرار. قال: ولهذا قال: أفلا يعقلون، أي يتفكرون بعقولهم في ابتداء خلقهم ثم صيرورتهم إلى سنّ الشيبة ثم إلى الشيخوخة، ليعلموا أنهم خلقوا لدار أخرى لا زوال لها ولا انتقال منها ولا محيد عنها وهي دار الآخرة).
وقد كان النبي - ﷺ - يتعوذ بالله من الهرم أو أن يُرد إلى أرذل العمر.
ففي الصحيحين والمسند عن أنس رضي الله عنه، عن النبي - ﷺ - أنه كان يقول: [اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجُبْن والبُخْل والهَرَم، وأعوذ بك من عذاب