إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٣)}.
في هذه الآيات: يقول الله سبحانه مخاطبًا نبيّه صلوات الله وسلامه عليه: أو لم ير المشركون ما خلقنا لهم من الأنعام المختلفة من الإبل والبقر والغنم يتصرفون بها كما شاؤوا، وهم لها ضابطون، فهي ذليلة مسخرة لهم لا تمتنع منهم، وتُقاد الجماعة منها بأضعفهم وأصغرهم، فمنها ما يركبون في الأسفار كالإبل، ويحملون عليها أثقالهم ويقضون عليها حاجات ما كانوا ليبلغوها إلا بشق الأنفس، ومنها ما يأكلون إذا احتاجوا فينحرون ويَطْعمون، ولهم فيها منافع: يلبسون أصوافها، ويتخذون من أوبارها وأشعارها أثاثًا ومتاعًا إلى حين، ويشربون من ألبانها وأبوالها يتداوون بها، فهلا أفردوا الله سبحانه بالتوجه والشكر ووحّدوه ولم يشركوا بعبادته أحدًا! ؟ أيشركون من لا يملك لهم رزقًا ولا نصرًا! ؟ بل آلهة لا تملك الانتقام ممن أرادها بسوء، ويوم القيامة تحشر هذه الأوثان والأصنام معهم لتشترك في إقامة الحجة عليهم، فلا تحزن عليهم يا محمد، فإنا قد أحصينا عليهم سرائرهم وعلانياتهم.
أو لم ير المعاند المنكر للحشر والبعث أن الله خلقه ابتداء من ماء مهين، ونطفة ضعيفة هزيلة، ثم إذا رأى من نفسه قوة وشبابًا استكبر وخاصم ربه وتحدّى، وأنكر إمكانية إعادته بعد فنائه وجمع عظامه بعد زواله. قل له يا محمد: بل يحييها الله الذي أنشأها في المرة الأولى، فهو أعلم كيف بعثرها وكيف فرّقها في ذرات الأرض، فهو الذي خلق من الماء شجرًا، فسوّاه أخضر ذا ثمر، ثم صيّره يابسًا، تحتطبون من فروعه وتوقدون به النار. فإذا علمتم هذا أجيبوا: أو ليس الذي فطر السماوات والأرضين وما فيهما بقادر على إعادة البشر كما بدأهم أول مرة، وهو إذا أراد أمرًا قال له كن فيكون، فسبحانه تنزهت صفاته، فهي صفات كمال وجمال، له الملك وإليه ترجعون.
وتفصيل ذلك:
قوله: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا﴾ المراد رؤية القلب، فهم يبصرونها في حياتهم، لكنهم لا يعتبرون ولا يتفكرون.
وقوله: ﴿أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا﴾. أي: مما أبدعناه من غير تجربة أفدنا منها، ومن غير وساطة ولا شركة.


الصفحة التالية
Icon