وقوله: ﴿أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ﴾. قال قتادة: (أي ضابطون). والأنعام تشمل الإبل والبقر والغنم. كل يستفاد منه حسب اختصاصه.
وقوله: ﴿وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ﴾. قال قتادة: (يركبونها يسافرون عليها. ﴿وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ﴾ لحومها. ﴿وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ﴾ قال: يلبَسون أصوافها ﴿وَمَشَارِبُ﴾ قال: يشربون ألبانها). وقراءة الجمهور بفتح الراء: ﴿رَكُوبُهُمْ﴾ والمعنى مركوبهم.
وقوله: ﴿أَفَلَا يَشْكُرُونَ﴾، أي: لقد ذلل الله سبحانه الأنعام لكم أيها المنكرون للمعاد المعاندون للحق والقرآن، فتركبون عليها، وتأكلون من لحمها، وتشربون من ألبانها، ولكم في أصوافها وأوبارها وأشعارها وشحومها متاع وفوائد، أفلا يدعوكم هذا إلى شكر الله سبحانه على نعمه التي تغمركم وتحيط بكم، فتفردوه بالألوهية وتنبذون الأصنام وعبادة الشيطان.
وقوله تعالى: ﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ﴾.
أي رغم كل ما عاينوا من آيات قدرتنا فقد اتخذوا أوثانًا وآلهة لا قدرة لها طمعًا أن ترفع عنهم عذابًا إن حلّ بهم في دنياهم أو أخراهم. كلا: ﴿لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ﴾ من الله إن أراد بهم سوءًا ﴿وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ﴾. أي رغم عجز هذه الآلهة عن الدفاع أو جلب النصر لهم، فهؤلاء المشركون جند لها في الدنيا يدافعون ويذودون عنها.
وهذه الآية لها تفاسير متكاملة:
التفسير الأول: المشركون في الدنيا جند لأوثانهم يحضرون ويدافعون عنها. قال الحسن: (يمنعون منهم ويدفعون عنهم). فقوله: ﴿وَهُمْ﴾ أي الكفار. ﴿لَهُمْ﴾ أي لآلهتهم جند محضرون. قال قتادة: (أي يغضبون لهم في الدنيا، وهي لا تسوق إليهم خيرًا ولا تدفع عنهم سوءًا، إنما هي أصنام). فهم يعبدون الآلهة ويقومون بها، فهم لها كالجند وهي عاجزة أصلًا عن نصرهم. وهذا التفسير اختاره ابن جرير رحمه الله.
التفسير الثاني: إن هذه الآلهة هي جند لعابديها تحضر معهم لتشهد عليهم عند الحساب. قال مجاهد: ﴿وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ﴾. قال: عند الحساب). ويؤيد هذا ما جاء في الصحيح والسنن من أن الله يأمر في أرض المحشر يوم القيامة أن يتبع كل قوم ما كانوا يعبدون.
فقد أخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة -وبنحوه الترمذي وبقية أهل السنن- أن النبي - ﷺ - قال: [يجمع الله الناس يوم القيامة في صعيد واحد، ثم يَطَّلِعُ عليهم ربُّ العالمين


الصفحة التالية
Icon