فيقول: ألا لِيَتَّبعْ كلُ إنسان ما كان يعبد، فَيُمَثَّلُ لصاحب الصليب صليبُه، ولصاحب التصاوير تصاويره، ولصاحب النار نارُه، فيتبعون ما كانوا يعبدون، ويبقى المسلمون...] الحديث (١).
وروى الدارمي نحوه عنه بلفظ: [إذا جمع الله العباد بصعيد واحد نادى مناد: يلحق كل قوم بما كانوا يعبدون، ويبقى الناس على حالهم، فيأتيهم فيقول: ما بال الناس ذهبوا وأنتم هاهنا؟ فيقولون: ننتظر إلهنا، فيقول: هل تعرفونه؟ فيقولون: إذا تعرف إلينا عرفناه. فيكشف لهم عن ساقه فيقعون سجدًا، وذلك قول الله تعالى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ﴾ ويبقى كل منافق فلا يستطيع أن يسجد، ثم يقودهم إلى الجنة] (٢).
وإلى هذا المعنى ذهب الحافظ ابن كثير- في تفسير قوله: ﴿وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ﴾ - قال: (يعني عند الحساب، يريد أن هذه الأصنام محشورة معهم يوم القيامة عند حساب عابديها ليكون أبلغ في إقامة الحجة).
التفسير الثالث: وهو أن هذه الآلهة والأوثان ستكون جندًا للعابدين لها يحضرون معهم في النار، فلا يدفع بعضهم عن بعض. وقيل: بل الآلهة والأوثان جند الله عليهم في جهنم، لأنهم يلعنونهم ويتبرؤون من عبادتهم. حكاه القرطبي.
التفسير الرابع: وهو أن المشركين جند للأصنام في جهنم على سبيل التهكم والاستهزاء بهم.
قال القاسمي رحمه الله: ﴿لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ﴾ أي لآلهتهم ﴿جُنْدٌ مُحْضَرُونَ﴾ أي معدون لخدمتهم، والذب عنهم، فمن أين لهم أن ينصروهم وهم على تلك الحال من العجز والضعف؟ أي بل الأمر بالعكس. وقيل: المعنى محضرون على أثرهم في النار. وجَعْلُهُم -على هذا- جندًا، تهكم واستهزاء).
قلت: والإعجاز القرآني يشمل كل هذه المعاني والآفاق.
وقوله: ﴿فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ﴾. أي: -يا محمد- لما قالوا لك اتهامًا: شاعرًا أو كاهنًا أو ساحرًا أو كذبوا بنبوتك وبالقرآن ووعده ووعيده.

(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم، وأخرج نحوه عبد الله بن أحمد في "السنة" ص (١٧٧). انظر مختصر العلو (٦٩) ص (١١٠)، وكتابي: أصل الدين والإيمان (٢/ ٧٤٨) لتفصيل الحديث.
(٢) حديث صحيح. انظر سنن الدارمي (٢/ ٣٢٦)، وسلسلة الأحاديث الصحيحة (٥٨٤).


الصفحة التالية
Icon