وقوله: ﴿إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾.
قال ابن جرير: (إنا نعلم أن الذي يدعوهم إلى قيل ذلك الحسد، وهم يعلمون أن الذي جئتهم به ليس بشعر ولا يشبه الشعر، وأنك لست بكذاب، فنعلم ما يسرون من معرفتهم بحقيقة ما تدعوهم إليه، وما يعلنون من جحودهم ذلك بألسنتهم علانية).
فسلّى بذلك سبحانه نبيّه عما يلقاه من المشركين واستهزائهم.
ثم قال سبحانه: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ﴾.
وقد ذكر في مناسبتها تفاسير:
التفسير الأول: قيل عني به أبي بن خلف. فعن الحسن قال: (هو أبي بن خلف الجمحيّ). وقال قتادة؛ (ذكر لنا أن أبيّ بن خلف أتى رسول الله - ﷺ - بعظْم حائل ففتّه ثم ذرّاه في الريح ثم قال: يا محمد من يحيي هذا وهو رميم؟ قال: الله يحييه ثم يميته ثم يُدخلك النار. قال: فقتلهُ رسول الله - ﷺ - يوم أحد).
التفسير الثاني: قيل بل عني العاص بن وائل السهمي. رُوي ذلك عن سعيد بن جبير قال: (جاء العاص بن وائل السهمي إلى رسول الله - ﷺ - بعظم حائل ففتّه بين يديه فقال: يا محمد! أيبعث الله هذا حيًا بعدما أرمّ؟ قال: نعم، يَبْعَث الله هذا، ثم يُميتك ثم يحييكَ ثم يدخلك نار جهنم. قال: ونزلت الآيات: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ﴾ إلى آخر الآية).
التفسير الثالث: قيل بل عني عبد الله بن أبي. قال ابن عباس: (الإنسان هو عبد الله بن أُبَي. قال: جاء عبد الله بن أبي إلى النبي - ﷺ - بعظم حائل فكسره بيده ثم قال: يا محمد! كيف يبعث الله هذا وهو رميم؟ فقال رسول الله - ﷺ -: يَبْعَثُ الله هذا، ويميتك ثم يدخلك جهنم، فقال الله: ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾).
قلت: والذي أميل إليه في أسباب نزول هذه الآيات هو التفسير الثاني، وذلك لأنه قد صح إسناد ما رواه الحاكم في المستدرك عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: [إن العاصي بن وائل أخذ عظمًا من البطحاء ففتّه بيده، ثم قال لرسول الله - ﷺ -: أيحيي الله هذا بعد ما أرم. فقال رسول الله - ﷺ -: نعم. يميتك الله ثم يحييك ثم