إعادتها في النشأة الثانية من شيء وهو عَجْمُ الذَّنب. ويقال عَجْبُ الذَّنب بالباء. ﴿وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ أي كيف يبدئ ويعيد).
قلت: وفي السنة الصحيحة ما يشير إلى هذا المعنى العظيم عن قدرة الله وعلمه بتوضع ذرات العظام بعد فنائها ثم جمعها وتركيبها.
ففي الصحيحين والمسند عن أبي سعيد الخدري، عن النبي - ﷺ - قال: [إن رجلًا كان قبلكم رغَسَهُ (١) الله مالًا، فقال لبنيه لما حُضِرَ: أي أب كنت لكم؟ قالوا: خيرَ أب، قال: إني لم أعمل خيرًا قط، فإذا مُتُّ فاحرِقوني، ثم اسحقوني، ثم ذرّوني في يوم عاصف، ففعلوا، فجمعه الله، فقال: ما حملك؟ قال: مخافتك، فتلقاه برحمته] (٢).
وكذلك في الصحيحين عن أبي هريرة، عن النبي - ﷺ - قال: [ليس شيءٌ من الإنسان إلا يبلى، إلا عظم واحد، وهو عَجْبُ الذَّنب، ومنه يُركَّبُ الخلق يوم القيامة] (٣).
وقوله: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا﴾.
قال قتادة: (يقول: الذي أخرج هذه النار من هذا الشجر قادر أن يبعثه). فدلّ سبحانه على كمال قدرته في إحياء الموتى بما يعاينه الناس في حياتهم من إخراج العود اليابس القابل للاحتراق من العود النديّ الرطب. قال القرطبي: (وذلك أن الكافر قال: النطفة حارة رطبة بطبع الحياة فخرج منها الحياة، والعظم بارد يابس بطبع الموت فكيف تخرج منه الحياة. فأنزل الله تعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا﴾. أي إن الشجر الأخضر من الماء، والماء بارد رطب ضد النار، وهما لا يجتمعان، فأخرج الله منه النار، فهو قادر على إخراج الضد من الضد وهو على كل شيء قدير).
وقوله: ﴿فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ﴾.
قال النسفي: (تقدحون. ثم ذكر من بدائع خلقه انقداح النار من الشجر الأخضر مع مضادة النار الماء وانطفائها به وهي الزناد التي توري بها الأعراب، وأكثرها من المرخ والعفار، وفي أمثالهم في كل شجر نار. قال: لأن المرخ شجر سريع الوري والعفار شجر تقدح منه النار، يقطع الرجل منهما غصنين مثل السواكين وهما خضراوان يقطر

(١) أي أكثر له من المال.
(٢) حديث صحيح. انظر صحيح البخاري (٣٤٧٨)، وصحيح مسلم (٢٧٥٧)، ومسند أحمد (٥/ ٣٨٣). وله شاهد في سنن النسائي (٤/ ١١٣). وانظر صحيح الجامع الصغير (٢٠٧٣).
(٣) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٤٩٣٥)، وأخرجه مسلم (٢٩٥٥) (١٤١)، وغيرهما.


الصفحة التالية
Icon