أتبعه شهاب حارق وضّاء، فاستفت واستخبر يا محمد مشركي مكة أهم أمتن وأقوى أم السماوات والأرض والجبال، فإذا وجدوا أنفسهم مضطرين إلى الجواب بصغر خلقهم وتضاؤله -وهي حقيقة الأمر- فليعترفوا بأن الله لا يعجز عن أمر ولا يتعالى عليه أمر بعد هذا كالبعث وغيره، ولكن عجب إنكارهم واستهزاؤهم وقسوة قلوبهم فلا يخافون ولا يتعظون، وإذا عاينوا برهانًا من آيات الكائنات أو في الآفاق قابلوه بالسخرية بدل التدبر والاعتبار، واتهموه بالسحر والكذب، ثم عاودوا التكذيب بإمكان بعثهم بعد موتهم هم وآبائهم، واستبعدته عقولهم المتحجرة، فقل لهم: بلى ستبعثون وأنتم أذلاء صاغرون، وإنما هي صيحة واحدة فإذا أنتم قيام تنظرون، فتقولون يا ويلنا هذا يوم الجزاء، هذا الذي كنتم به تكذبون، فاليوم يأمر الرحمان ليُحْشَر الذين ظلموا أنفسهم بالمعاصي والكفر والموبقات هم وأشباههم ونظائرهم من الفجرة أو نساؤهم الكافرات، وكذلك الأصنام التي كانوا يعبدونها من دون الله زيادة في التخذيل والحسرات، ثم يقال تهكمًا بهم: فاهدوهم إلى صراط النيران الملهبات، واحبسوهم في الموقف في عرصات القيامة والساحات، ليسألهم الله لماذا طغوا وكيف آثروا الحياة الدنيا على دار الباقيات الصالحات.
وتفصيل ذلك.
يروي ابن جرير عن ابن مسعود أنه قال: ﴿وَالصَّافَّاتِ صَفًّا﴾: هي الملائكة. ﴿فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا﴾: هي الملائكة. ﴿فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا﴾: هي الملائكة).
وعن قتادة: ﴿وَالصَّافَّاتِ صَفًّا﴾، قال: قسم أقسم الله بخلق ثم خلق ثم خلق. والصافات: الملائكة- صفوفًا في السماء).
فهي تصف في السماء كصفوف الخلق في الدنيا للصلاة، وقيل: تصف أجنحتها في الهواء واقفة فيه حتى يأمرها الله بما يريد، كالعبيد بين أيدي ملوكهم صفوفًا.
قال شيخ المفسرين: (أقسم الله تعالى ذكره بالصافات، والزاجرات، والتاليات ذكرًا، فأما الصافات: فإنها الملائكة الصافات لربها في السماء، وهي جمع صافة، فالصافات جَمْعُ جَمْعٍ).
وقيل: المراد بالصافات جماعة المؤمنين إذا قاموا صفًا في الصلاة أو الجهاد، والأول أرجح.
أخرج الإمام أحمد في المسند، وأبو داود في السنن، والطبراني بسند صحيح عن