وقال السدي: (المشارق ستون وثلاث مئة مَشْرِق، والمغارب مثلها عدد أيام السنة).
والآية كقوله تعالى: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ﴾. يعني شروق الشمس والقمر في الصيف والشتاء واختلاف مطالعهما. وكقوله تعالى: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ﴾ [المعارج: ٤٠]. فالله سبحانه خلق الأرض كروية فنصف الكرة المواجه للشمس يكون فيه اليوم نهارًا، والنصف الخلفي ليلًا، ولما كانت الأرض أو الشمس تدور بقدرته سبحانه من الشرق إلى الغرب، ففي كل لحظة يتكون شروق وغروب لا يفتران أبدًا. ثم إن شروق الشمس في الصيف من المشرق مع ميل إلى الشمال، وغروبها من الغرب مع ميل نحو الشمال، والقمر في الصيف يشرق من الشرق مع ميل نحو الجنوب، ويغرب من الغرب مع ميل نحو الجنوب.
وأما في الشتاء فتشرق الشمس من المشرق مع ميل نحو الجنوب، وتغرب من الغرب مع ميل نحو الجنوب، وكذا القمر يشرق شتاء من المشرق مع ميل نحو الشمال ويغرب في الغرب مع ميل نحو الشمال، فتبارك رب المشرقين ورب المغربين، فكما أن للشمس مشرقين فكذلك فإن للقمر مشرقين، تبارك الله أحسن الخالقين.
وفي رفع قوله: ﴿رَبُّ﴾ وجهان عند أهل العربية:
الوجه الأول: خبر ثان لإنّ في قوله: ﴿إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ﴾. ثم قال: ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾.
والوجه الثاني: بدل من قوله ﴿لَوَاحِدٌ﴾، وهو أرجح لأن الخبر هو قوله: ﴿لَوَاحِدٌ﴾.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (٦) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ﴾.
قال قتادة: (خلقت النجوم ثلاثًا، رجومًا للشياطين، ونورًا يهتدى بها، وزينة لسماء الدنيا).
وفي قوله: ﴿وَحِفْظًا﴾ قال: (يقول: جعلتها حفظًا من كل شيطان مارد).
فالله سبحانه قد امتنّ على عباده بأن زيّن لهم السماء الدنيا، فيأنسون إذا نظروا إليها ولو شاء لجعلها مظلمة سوداء تورث الضيق في صدورهم وفي نفوسهم كلما أبصروها، ثم سخّر الكواكب لتنبعث منها الشهب فتحرق الشياطين الذين يحاولون استراق السمع والخبر والغيب من السماء في الأمر قضاه الله وتَحَدَّثَ به الملائكة، فيحاولون استراقه