ليلقوه على ألسنة الكهان والسحرة والكذبة لِيُعْبَدوا إياهم من دون الله، وليفسدوا على بني آدم دينهم وليشتركوا معهم في عذاب جهنم يوم القيامة، كما قال جل ثناؤه: ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (٥) وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [الملك: ٥ - ٦]. فعطف سبحانه على الشياطين من اشترك معهم في السحر والكفر، فأشركهم جميعًا في عذاب السعير وبئس المصير.
ولقد قرأ جماعة من قراء الكوفة: ﴿بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ﴾ أي بزينة هي الكواكب. في حين قرأها قراء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين: "بزينةِ الكواكب" أي زينا السماء التي تليكم بتزيينها بالكواكب، فكانت زينتها الكواكب.
وقد رُوي عن بعض قراء الكوفة نصب لفظ "الكواكبَ"، أي بتزييننا الكواكبَ، كما يجوز فيها الرفع لغة بأن زينتها الكواكب، ولكن الأشهر في القراءة هو الكسر.
وأما قوله: ﴿وَحِفْظًا﴾ فهو بدل من اللفظ، أي وحفظناها حفظًا، والواو أدخلت للتكرير، أي وزيناها حفظًا لها والله أعلم.
وخلاصة المعنى: أن الله سبحانه قد حفظ أمره من كل شيطان متمرد عات إذا حاول استراق السمع أتاه شهاب فأحرقه، فالمارد هو العاتي من الجن والإنس، والعرب تسميه شيطانًا.
وقوله تعالى: ﴿لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (٨) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ﴾.
الملأ الأعلى هم أهل السماء الدنيا فما فوقها كلهم أعلى بالنسبة لأهل الأرض.
وعن قتادة: (﴿لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى﴾ قال: مُنِعوها). وقال ابن جرير: (ويعني بقوله ﴿إِلَى الْمَلَإِ﴾ إلى جماعة الملائكة التي هم أعلى مَنْ هم دونهم).
وعن مجاهد: (﴿يُقْذَفُونَ﴾: يرمون. ﴿مِنْ كُلِّ جَانِبٍ﴾ قال: من كل مكان. وقوله: ﴿دُحُورًا﴾ قال: مطرودين).
وعن السدي: (في قوله: ﴿عَذَابٌ وَاصِبٌ﴾ قال: الموجع). وقال ابن عباس: (يقول: لهم عذاب دائم). وفي رواية: (شديد).
وفي لغة العرب: وَصَبَ الشيء يَصِبُ بالكسر وُصوبًا إذا دام، والوصَب: المرض. فيمكن الجمع بين التفسيرين بمعنى: ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ﴾ أي دائم متواصل فيزداد