لاستمراره وجعًا وألمًا. وفي التنزيل: ﴿وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا﴾.
وأما (دَحَر) في لغة العرب فهو بمعنى طرد وأبعد، ويبدو أن الشياطين قبل نزول آيات الدحر والشهب الحارقة وقبل بعثة النبي - ﷺ - كانوا يسترقون السمع ويجيئون بالأخبار، وربما كانوا لا يقذفون إلا من بعض الجوانب فصاروا يرمون واصِبًا. قال القرطبي: (وإنما كانوا من قبل كالمتجسِّسَةِ من الإنس، يبلغ الواحد منهم حاجته ولا يبلغها غيره، ويسلم واحد ولا يسلم غيره، بل يقبض عليه ويعاقب وينكل. فلما بعث النبي - ﷺ - زيدَ في حفظ السماء، وأعدت لهم شهب لم تكن من قبل، ليدحروا عن جميع جوانب السماء، ولا يقروا في مقعد من المقاعد التي كانت لهم منها، فصاروا لا يقدرون على سماع شيء مما يجري فيها، إلا أن يختطف أحد منهم بخفة حركته خطفة، فيتبعه شهاب ثاقب قبل أن ينزل إلى الأرض فيلقيها إلى إخوانه فيحرقه، فبطلت من ذلك الكهانة وحصلت الرسالة والنبوة).
قال ابن عباس: (كان للشياطين مقاعد في السماء يستمعون الوحي فينزلون إلى الأرض فزادوا في الكلمة تسعًا... فلما كانت بعثته عليه الصلاة والسلام فمنعَ الشياطين مقاعدهم وأتبعهم شهاب لا يخطئهم فيحرقهم، فشكوا ذلك إلى إبليس، فأرسل جنوده فرأوا رسول الله - ﷺ - يصلي بين جَبَليْ نخلة، فرجعوا وأخبروا إبليس بما رأوا... وقال: هذا الذي حدث).
وتفصيل ذلك:
المرحلة الأولى: مرحلة سهولة السمع للشياطين يسترقون خبر السماء.
المرحلة الثانية: مرحلة إرسال الشهب المتواصلة الحارقة، حتى عَزَّ استراق السمع إلا على من خطف الخطفة.
وأصل ذلك ما روى البخاري في صحيحه، والترمذي في جامعه، وابن ماجة في سننه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي - ﷺ - قال: [إذا قضى الله تعالى الأمر في السماء، ضربت الملائكة باجنحتها خُضعانًا لقوله، كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فُزِّعَ عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال الحقَّ وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترقو السمع، ومسترقو السمع هكذا واحد فوق الآخر، فربما أدرك الشهابُ المستمع قبل أن يرمي بها إلى صاحبه، فَيُحْرِقَهُ، وربما لم يدركْه، حتى يرميَ بها إلى الذي يليه، إلى الذي هو أسفلُ منه حتى يُلقوها إلى الأرض، فتلقى على فم الساحر،