فيكذب معها مئة كَذْبَةٍ، فَيُصَدَّقُ، فيقولون: ألم يُخْبِرْنا يومَ كذا وكذا، يكون كذا وكذا، فوجدناه حقًّا للكلمة التي سمعت من السماء] (١).
وفي الصحيحين عن ابن عباس قال: [انطلق رسول الله - ﷺ - في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب فرجعت الشياطين. فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب. قال: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا ما حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الأمر الذي حدث، فانطلقوا فضربوا مشارق الأرض ومغاربها ينظرون ما هذا الأمر الذي حال بينهم وبين خبر السماء. قال: فانطلق الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول الله - ﷺ - بنخلة وهو عامد إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر. فلما سمعوا القرآن تسمعوا له فقالوا: هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فهناك رجعوا إلى قومهم فقالوا يا قومنا إنا سمعنا قرآنًا عجبًا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدًا، وأنزل الله عز وجل على نبيّه - ﷺ -: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ﴾ [الجن: ١] (٢).
ولقد قرأ عامة قراء المدينة والبصرة: ﴿لَا يَسَّمَّعُونَ﴾. في حين قرأها بعض الكوفيين: "لا يَسْمعون". بمعنى يتسمعون لكن لا يسمعون. قال مجاهد: (كانوا يتسمعون ولكن لا يسمعون). وأصل ﴿يَسَّمَّعُونَ﴾ يَتَسَمَّعون، فأدغمت التاء في السين لقربها منها، واختار الجمهور القراءة بالتسكين: "يَسْمَعون"، ومنهم ابن جرير، وأما بالتشديد فهي قراءة حمزة وعاصم في رواية حفص، ويبدو أنهما قراءتان مشهورتان.
وأما قوله: ﴿إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ﴾ فهو استثناء من قوله: ﴿وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ﴾.
وقيل: بل الاستثناء يرجع إلى غير الوحي لقوله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ﴾ [الشعراء: ٢١٢]. فيسترق الواحد منهم شيئًا مما يتفاوض فيه الملائكة مما سيكون في العالم قبل أن يعلمه أهل الأرض، وهذا لخفة أجسام الشياطين، فيرجمون عندها بالشهب فيتقدمهم الأجسر ليلقي الكلام إلى من يليه، ثم يلقيه الآخر إلى من تحته، حتى تنزل تلك الكلمة إلى الكهان، فيكذبون معها مئة كذبة لأنها لا تكفي أن يصاغ منها

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٤٧٠١)، كتاب التفسير. باب قوله: ﴿إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ﴾ [الحجر: ١٨]. ورواه الترمذي وابن ماجة وغيرهم.
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٤٩٢١)، في كتاب التفسير، وأخرجه كذلك برقم (٧٧٣)، كتاب الأذان. ورواه مسلم (٤٤٩/ ١٤٩)، والترمذي (٣٣٢٣)، ورواه أحمد (١/ ٢٥٢).


الصفحة التالية
Icon