أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (٢٧) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا} [النازعات: ٢٧ - ٢٨].
فقوله: ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ﴾ أي فاسألهم. يعني: اسأل أهل مكة. وقيل يدخل في قوله: ﴿مَنْ خَلَقْنَا﴾ الملائكة ومن سلف من الأمم الماضية.
ثم قال سبحانه: ﴿إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ﴾. قال ابن عباس: (أي لا صق).
وفي رواية: (يقول: ملتصق). وفي رواية: (من التراب والماء فيصير طينًا يَلْزَق).
وقال السدي: (إنه الخالص). وقال مجاهد: (هو الطين الحرّ الجيد اللزج).
قال ابن جرير: (وصف باللزوب لأنه تراب مخلوط بماء، وكذلك خلق ابن آدم من تراب وماء ونار وهواء).
وفي لغة العرب: طين لازب أي لازق، واللازب أيضًا الثابت. تقول: صار الشيء ضَرْبةَ لازب أو ضربة لازم بقلب الباء ميمًا، ولكنه بالباء أفصح، لزَبَ يلْزَبُ لزْبًا ولُزوبًا فهو لازب. كما قال النابغة:
ولا تحسبن الخير لا شَرَّ بعده | ولا تحسبن الشَّرَ ضربةَ لازب |
وقال الفرّاء: (العجب إن أسند إلى الله عز وجل فليس معناه من الله كمعناه من العباد، وكذلك قوله: ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ [البقرة: ١٥] ليس ذلك من الله كمعناه من العباد).
وهذا فيمن قرأها بضم التاء "بل عَجْبتُ" أي بل عظم عندي وكبر اتخاذهم لي شريكًا، وتكذيبهم تنزيلي وهم يسخرون، قرأها بذلك قرّاء الكوفة.
وأما قراء البصرة والمدينة فقرؤوها بالفتح: "بل عَجِبْتَ" أي عجبت يا محمد أنت من تكذيب هؤلاء المنكرين للبعث وأنت موقن مصدقٌ بما أخبر الله من الأمر العجيب وهو إعادة الأجسام بعد فنائها، وهم بخلاف حالك يسخرون ويستهزئون، وإذا عاينوا آية واضحة يكذبون ويترددون.
قال ابن جرير: (فإن قيل: أكان التنزيل بإحداهما أو بكلتيهما؟ قيل التنزيل بكلتيهما. فهل نزل مرتين؟ لا، إنما مرة، ولكنه أُمِرَ - ﷺ - أن يقرأ بالقراءتين).
ثم قال سبحانه: ﴿وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ﴾. قال قتادة: (أي لا ينتفعون ولا يبصرون).