منهم الأبيضُ والأحمرُ والأسودُ وبين ذلك، والخبيثُ والطيبُ، والسَّهلُ والحَزْنُ، وبين ذلك] (١).
وقوله: ﴿ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ﴾.
أي بدأ الخلق من التراب ثم من الماء المهين، ثم تصور فكان علقة فمضغة فعظامًا مشكّلة على شكل الإنسان، ثم كسا الله العظام لحمًا، ثم أرسل الملك فنفخ فيه الروح، فإذا هو سميع بصير. قال ابن كثير: (ثم خرج من بطن أمه صغيرًا ضعيفَ القُوى والحركة، ثم كُلَّما طال عُمرُه تكاملت قُوَاه وحركاته، حتى آل به الحال إلى أن صار يبني المدائن والحُصون، ويسافر في أقطار الأقاليم، ويركَبُ متنَ البُحُور، ويدور أقطارَ الأرض ويتكَسَّبُ ويجمع الأموال، وله فكْرٌ وغورٌ، ودهاء ومكر، ورأي وعِلم، واتساع في أمور الدنيا والآخرة كلٌّ بِحَسَبِه).
وقوله: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾. قال قتادة: (خلقها لكم من ضلع من أضلاعه).
وفي التنزيل: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا﴾ [الأعراف: ١٨٩].
والمقصود بذلك حواء زوجة أبينا آدم، خلقها الله من آدم من ضِلَعِه الأقصر الأيسر، وألقى المودة سبحانه بين الرجل وزوجته، وهي المحبة والرأفة والألفة.
أخرج ابن ماجة والحاكم بسند صحيح عن ابن عباس قال: قال رسول الله - ﷺ -: [لم يُرَ للمتحابَّيْنِ مثل النكاح] (٢).
وقوله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.
أي: إن في جعل الزوجة من جنس الأزواج، وبث المحبة والألفة والرحمة، فهو يمسكها لمحبته لها، أو لرحمته بها لحاجتها إليه، أو لوجود الولد، كل ذلك آيات كبيرة تدعو المرء إلى التفكر بنعم الله وآياته.

(١) حديث صحيح. أخرجه أحمد (٤/ ٤٠٠) و (٤/ ٤٠٦)، وأبو داود (٤٦٩٣)، والترمذي (٢٩٥٥).
(٢) حديث صحيح. أخرجه ابن ماجة (١٨٤٧)، والحاكم (٢/ ١٦٠)، والبيهقي (٧/ ٧٨). وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (٦٢٤).


الصفحة التالية
Icon