فقوله تعالى: ﴿مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ﴾. تقريع وتوبيخ للمشركين.
قال قتادة: (لا والله لا يتناصرون ولا يدفع بعضهم عن بعض).
وأصل ﴿تَنَاصَرُونَ﴾ -تتناصرون-. فطرحت إحدى التاءين للتخفيف.
وقوله تعالى: ﴿بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ﴾. أي: أذلاء خاضعون لمصيرهم الشقي.
قال ابن عباس: (﴿بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ﴾ قال: خاضعون ذليلون). وقال قتادة: (﴿بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ﴾ في عذاب الله). وقال الحسن: (منقادون). وقال الأخفش: (ملقون بأيديهم). والمعنى واحد مفاده أنهم يعانون الذل اليوم أمام الخلق بعدما عاشوا الكبر في الدنيا وظلم الناس.
ثم قال سبحانه: ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ﴾. وفيه تأويلان:
١ - قيل: يعني الرؤساء والأتباع يتخاصمون يسأل بعضهم بعضًا ويوبخه في أنه أضله أو فتح له بابًا من المعصية.
٢ - وقيل: بل هو التخاصم بين الإنس والجن. قال قتادة: ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ﴾، قال: الإنس على الجن). أي: أقبل الإنس على الجن يتساءلون.
وقوله تعالى: ﴿قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ﴾. قال السدي: (تأتوننا من قِبل الحق تزينون لنا الباطل وتصدونا عن الحق). وعن مجاهد: ﴿تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ﴾ قال: عن الحق، الكفار تقوله للشياطين). وقال قتادة: (قالت الإنس للجن إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين. قال: من قبل الخير فتنهوننا عنه وتبطئوننا عنه).
فأخزى الله الكافرين الذين صدوا عن سببل الله في الدنيا، واستهزؤوا بالقرآن الذي كشف الله به لهم سبل الشياطين ليجتنبوها، ولكنهم شاركوهم في اتباع الشهوات والكبر والعلو في الأرض، فألزمهم الله موقف الذل في عرصات القيامة، يقولون للجن: لقد كنتم تأتوننا من قِبل الدين والحق وما ظاهره التقوى فتخدعوننا بأقوى الوجوه والسبل. واليمين في كلام العرب: القوة والقدرة على الكلام وإقامة الحجج، فأخزى الله الفريقين وتوعدهم بالعذاب. وهذه الآيات تشبه حوار المستكبرين والمستضعفين وهم يتخاصمون في دركات النار في سورة سبأ:
{وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (٣١) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ