٢ - قيل هو من قول الرؤساء لأتباعهم يتبرؤون منهم ومن أعمالهم لما عاينوا الأهوال يوم القيامة.
قال ابن كثير: (قالوا -أي المستكبرون- ليس الأمر كذلك بل كانت قلوبكم منكرة للإيمان قابلة للكفر، وما كان لنا سلطان وحجة فيما دعوناكم إليه بل كنتم متجاوزين عن الحق طاغين، ولهذا استجبتم لنا فتركتم الحق وخالفتم الرسل).
وأما قوله: ﴿فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ﴾.
فهو من قول الرؤساء والمتبوعين أيضًا. أي وجب علينا وعليكم قول ربنا وما كتب علينا من العذاب وأخبر عنه الرسل: ﴿وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [السجدة: ١٣]. أي استسلموا للقدر الكوني بعدما فاتهم مدافعة القدر بالقدر، وبعدما أفسدوا على أنفسهم مصيرها، واستهزؤوا بالقدر الشرعي وإمكانية اختيار الحياة الأفضل لهم في الدنيا والآخرة، فإذا بالحياة الدنيا قد انقضت، وإذا بهم أمام القدر الكوني الذي ينتظرهم، فقد ولّى زمن الاختيار، وحقّ اليوم ما كتب الله عليهم كتابة علم وحكمة وعدل، فهو الذي خلقهم ويعلم ما توسوس به نفوسهم.
أخرج الإمام أحمد والحاكم بسند صحيح عن عبد الرحمن بن قتادة السلمي، عن النبي - ﷺ - قال: [إن الله خلق آدم، ثم أخذ الخلق من ظهره فقال: هؤلاء في الجنة ولا أبالي، وهؤلاء في النار ولا أبالي] (١).
وأصله في صحيح الإمام مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها، عن النبي - ﷺ - قال: [إن الله تعالى خلق الجنة، وخلق النار، فخلق لهذه أهلًا، ولهذه أهلًا] (٢).
وقوله: ﴿فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ﴾.
قال القرطبي: (أي زينا لكم ما كنتم عليه من الكفر بالوسوسة والاستدعاء).
ثم قال سبحانه خبرًا عنهم: ﴿فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٣) إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (٣٤) إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (٣٥) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ﴾.
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم في الصحيح (٨/ ٥٥) - كتاب القدر-. وانظر مختصر صحيح مسلم (١٨٥٥). وكتابي: أصل الدين والإيمان (٢/ ١٢١٣) - لتفصيل البحث.