فأخبر سبحانه عن اشتراكهم معًا في لهب وعذاب جهنم، الضال والمضل منهم، فهذا جزاء المشركين المجرمين، فقد كبر جُرمًا أن يستكبروا على "لا إله إلا الله" ويعبدوا من دونه سبحانه تافهًا لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا. وفي الكلام محذوف تقديره إذا قيل لهم (قولوا) لا إله إلا الله يستكبرون. وينسبون الشعر والجنون إلى النبي - ﷺ -. فعن السدي في قوله: ﴿إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ قال: (يعني المشركين خاصة). وعن قتادة: (﴿وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ﴾ يعنون محمدًا - ﷺ -).
يروي ابن سعد في الطبقات: (أن وفدًا من زعماء قريش قدموا إلى أبي طالب ليلتمسوا إليه أن يكف ابن أخيه، فاستدعاه وقال له: يا ابن أخي، هؤلاء عمومتك وأشراف قومك وقد أرادوا أن ينصفوك. فقال رسول الله - ﷺ -: قولوا أسمع. قالوا: تدعنا وآلهتنا وندعك وآلهتك. قال أبو طالب: قد أنصفك القوم فاقبل منهم. فقال رسول الله - ﷺ -: أرأيتم إن أعطيتكم هذه هل أنتم معطيَّ كلمة إن تكلمتم بها ملكتم العرب ودانت لكم المعجم. فقال أبو جهل: إن هذه كلمة مربحة. أَنْعِمْ وأبيك لنقولنها وعشر أمثالها. فقال الرسول - ﷺ -: قولوا لا إله إلا الله. فاشمأزوا ونفروا منها وغضبوا وقاموا وهم يقولون: اصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد).
لقد علم القوم أن لا إله إلا الله تُعَرِّيهم وتكشف في حياتهم الظلم والبغي والاستكبار.
لقد أدرك القوم أن لا إله إلا الله تحول بينهم وبين استعباد الناس بالقهر والإجبار.
لقد أيقن القوم أن لا إله إلا الله تمنعهم من إطلاق شهواتهم وتهددها بالدمار.
لقد فطن القوم أن لا إله إلا الله تكشف المال الحرام الذي عمروا به قصورهم بالكذب والاستهتار.
فتواصوا فيما بينهم بالصبر على الآلهة المزيفة، ظنًا منهم أنها تمنعهم وتحمي الأموال الحرام التي أكلوها، أو تغطي على الدماء الحرام التي سفكوها.
ففضحهم الله وأخزاهم وانتصر لنبيّه من بينهم، فقال سبحانه:
﴿بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (٣٧) إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ (٣٨) وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.


الصفحة التالية
Icon