وعن قتادة: ﴿بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ﴾ بالقرآن ﴿وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ﴾ أي صدّق من كان قبله من المرسلين).
قال الحافظ ابن كثير: (يعني ليس شاعرًا ولا مجنونًا، بل جاء بالحق الذي أرسلته به وصدق المرسلين الذين أخبروا بصفاته الحميدة ودينه القويم في كتبهم، فكانت حاله كما أخبروا عنه من الصدق والأمانة والصراط المستقيم في المنهج والدعوة إلى الله).
وخلاصة القول: ﴿بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ﴾ يعني القرآن والتوحيد. ﴿وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ﴾ في منهاجهم. ﴿إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ﴾ والأصل: لذائقون حذفت النون للإضافة-. ﴿وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾. أي: بما كسبتم واجترحتم من الشرك وعبادة غير الله الأحد.
ثم قال سبحانه استثناء ممن يذوق العذاب: ﴿إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾.
قال قتادة: (هذه ثنية الله). وقال ابن جرير: (إلا عباد الله الذين أخلصهم يوم خلقهم لرحمته وكتب لهم السعادة في أم الكتاب، فإنهم لا يذوقون العذاب لأنهم أهل طاعة الله وأهل الإيمان به).
فهؤلاء لا يناقشون الحساب، ويجزون الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مئة ضعف إلى أضعاف كثيرة.
وقد قرأها قراء المدينة والكوفة بفتح اللام: ﴿المُخلَصِينَ﴾ يعني: من أخلصهم لطاعته سبحانه ولحراسة دينه والقيام بأمره، في حين قرأها الباقون بكسر اللام أي المخلِصين لله في العبادة. وقيل هو استثناء منقطع، أي يذوق المجرمون العذاب لكن المخلصين لا يذوقون. بل لهم نعيم ورزق وصفه الله بقوله: ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ﴾. قال قتادة: (في الجنة). وقال مقاتل: (حين يشتهونه). وقيل: يعني رزق الجنة. وقيل: هي الفواكه التي جاء ذكرها تفسيرًا للرزق بقوله: ﴿فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ﴾.
و﴿فَوَاكِهُ﴾: جمع فاكهة، كما قال جل ذكره: ﴿وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ﴾ [الطور: ٢٢].
والفاكهة: هي الثمار رطبها ويابسها، ﴿وَهُمْ مُكْرَمُونَ﴾ بذلك متنعمون بالمراتب العالية التي نالوها، وبالدرجات الرفيعة التي بلغوها، وبسماع كلام الله ولقائه والنظر إلى وجهه جل ثناؤه- كما قال سبحانه: ﴿وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ [مريم: ٦٢].