وقوله: ﴿عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ﴾. أي يخدمون ويرفهون وينعمون، وهم على سرر متقابلين مقابلة. قال مجاهد: (لا ينظر بعضهم في قفا بعض تواصلًا وتحاببًا). وقال ابن عباس: (على سرر مكللة بالدّر والياقوت والزبرجد، السرير ما بين صَنعاء إلى الجابية، وما بين عدن إلى أيلة). وقيل: (الأسرّة تدور كيف شاؤوا فلا يرى أحد قفا أحد).
ثم قال سبحانه: ﴿يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ﴾.
قال قتادة: (كأس من خمر جارية، والمعين: هي الجارية).
وقال الضحاك: (كلّ كأس في القرآن فهو خمر).
والكأس في لغة العرب: هو كل إناء فيه شراب فإن كان فارغًا سمي إناءً وليس بكأس. قال السدي: (كل كأس في القرآن فهي الخمر، والعرب تقول للإناء إذا كان فيه خمر كأس، فإذا لم يكن فيه خمر قالوا إناء وقدح).
والمعين في لغة العرب: الماء الجاري الظاهر. ومنه قال الزجاج: (﴿بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ﴾ أي من خمر تجري كما تجري العيون على وجه الأرض).
وقوله: ﴿بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ﴾. فلتأنيث الكأس أنثت البيضاء.
قال الحسن: (خمر الجنة أشد بياضًا من اللبن). فبيضاء صفة للكأس، ولذة: قيل هو مصدر جعل اسمًا -أي بيضاء لذيدة-. كما يقال شراب لدٌّ ولذيذ. وقيل: أي ذات لذة فحذف المضاف. قال ابن جرير: (يقول: هذه الخمر لذة يلتذها شاربوها).
ثم وصفها بتميزها من خمر الدنيا الذي يؤذي العقل ويسخط الرب سبحانه.
فقال: ﴿لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ﴾. أي: لا تغتال عقولهم. وفيه تفاسير:
التفسير الأول: (الغول: هو الصداع). قال ابن عباس: (يقول: ليس فيها صداع).
وكذلك قال الحسن: (صداع).
التفسير الثاني: (الغول: وجع البطن). قال قتادة: (الغول وجع البطن).
وقال مجاهد: (لا فيها وجع بطن). وهو رواية عن ابن عباس أيضًا: (هي الخمر ليس فيها وجع بطن). وفي رواية أخرى عنه قال: (في الخمر أربعُ خصال: السكر والصداع والقيء والبول، فلما ذكر خمر الجنة نزهها عن هذه الخصال).
فليس في خمر أهل الجنة أذى تتشكّى منه بطونهم.