التفسير الثالث: أي لا تغول عقولهم، أي لا تذهب بها كخمور الدنيا. كما قال القائل:

وما زالت الكأس تغتالنا وتذهب بالأولِ الأول
أي تصرع واحدًا واحدًا. فالعرب تقول غاله الشيء واغتاله إذا أخذه من حيث لم يَدْر. قال بعض أهل اللغة: ﴿لَا فِيهَا غَوْلٌ﴾ أي ليس فيها (غائلةُ) الصداع. لأنه قال في موضع آخر: (﴿لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا﴾. وقال أبو عبيدة: (الغَوْل أن تغتال عقولهم). وقال آخر: الغضب غُولُ الحلم لأنه يغتالُه ويذهب به. واغتاله: قتلهُ غيلة. ومنه قول السدي: (﴿لَا فِيهَا غَوْلٌ﴾: لا تغتال عقولهم). وقال الشعبي: (لا تغتال عقولهم فتذهب بها).
التفسير الرابع: أنَّها داء. فعن مجاهد: (﴿لَا فِيهَا غَوْلٌ﴾ قال: داء). أي: لا يمرضون.
التفسير الخامس: أنَّها مغص. قاله ابن كيسان.
التفسير السادس: أنَّها إثم. قال الكلبي: (﴿لَا فِيهَا غَوْلٌ﴾ أي إثم، نظيره ﴿لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ﴾ [الطور: ٢٣].
التفسير السابع: الغول هو المكروه والأذى. أي ما فيها ما يؤذيهم من مكروه، فإن العرب تقول لمن أصابه مكروه أو داهية عظيمة غالَ فلانًا غولٌ.
وعن سعيد بن جبير: (في قوله: ﴿لَا فِيهَا غَوْلٌ﴾ قال: أذى ولا مكروه).
التفسير الثامن: الغول فساد يلحق في خفاء. قال بعض أهل المعاني: (يقال: اغتاله اغتيالًا إذا أفسد عليه أمره في خفية. ومنه الغول والغيلة وهو القتل خفية).
وخلاصة المعنى عندي: بأن الخمر التي اختص الله بها أهل الجَنَّة تكريمًا لهم لَمَّا اجتنبوا خمر الدنيا الذي حرّمه عليهم وما فيه من فساد لأجسامهم وعقولهم وأموالهم ودينهم هو خمر خفصه الله من أن يكون فيه أي نوع من أنواع الإفساد: من صداع ووجع بطن ومغص وداء أو مرض أو مكروه أو ذهاب بالعقل أو فساد خفي أو إثم وغير ذلك.
وإليه ذهب ابن جرير رحمه الله حيث قال: (وكلها متضمنة بالمعنى أي لا أذى فيها ولا مكروه على شاربيها في جسم ولا عقل ولا غير ذلك). وبنحوه قال ابن كثير رحمه


الصفحة التالية
Icon